سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.. إخوتي الصائمين.. نواصل مع الدروس والعبر، كيف نجا هؤلاء وما فيها من عبر. من أسباب نجاة هؤلاء -أيها الإخوة- الهدوء والسكينة في بحثهم عن المخرج، ولذلك ما ذا قالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاماً، فليأتكم برزق منه وليتلطف}. أيها الأحبة: عجيب، في الأزمات يكون عند بعض الناس جلبة، حركة سريعة، الأزمات الكبرى تحتاج إلى هدوء، فلذلك هؤلاء يقولون لمن أرسلوه ليشتري لهم الطعام {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه، وليتلطف، ولا يشعرن بكم أحداً} أمر ونهي، وفعلاً، هذا ما قاله يعقوب لأبناءه عليهم السلام {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} بهدوء {تحسسوا}، وفعلاً وجدوا يوسف ما أحوجنا إلى حل مشكلاتنا كما حلها يعقوب عليه السلام وحلها هؤلاء الفتية بالتلطف. لو أن الآباء والأمهات، الأزواج والزوجات تلطفوا مع غيرهم، لانحلت مشكلاتهم البيتية لكن مع كل أسف، كثير من المشكلات نزيدها عبأ ومشكلة لأننا لم نسلك منهج التلطف، بالتلطف واللطف بالقول والعمل نحقق أموراً كيثرة جداً. هؤلاء الشباب الذين أرادوا أن يغيروا من واقع بلادهم وقاموا بتفجيرات في بلاد المسلمين، تفجير وتدمير أين هم وأين التلطف؟ وجاءت مصائب وإلى الآن نتجرع آثارها نسأل الله أن ينجينا منها، لو دعوا إلى الله بحكمة وعلى بصيرة وهدوء وبالحكمة والموعظة الحسنة. ما هي الحكمة؟ يقول شيخ الإسلام ابن القيم: -كما في مدارج السالكين- هي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي، طبق الأمور الثلاثة. فعل ما ينبغي بدون كما ينبغي وفعل الوقت الذي ينبغي، ليست حكمة! وفعل ما ينبغي كما ينبغي في غير الوقت الذي ينبغي ليس حكمة! {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} هؤلاء الفتية تلطفوا، خذوا هذا المنهج في بيوتكم. أيها الأب، (أيتها) الأم، أيها الزوج، أيها الابن (أيتها) الزوجة تلطفوا في التعامل مع بعضكم وسترون حلاً عظيماً لمشكلاتكم، أما الجلبة والصراخ والنقاش تزيد وتعقد المشكلة. أيها الشباب، تحلون مشكلات بلادكم بالهدوء والسكينة والحكمة، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوة، {يا يحيى خذ الكتاب بقوة}. موضوع التلطف موضوع عظيم، وقد تحدثت عن هذه الآية {وليتلطف} تحدثت عنها في محاضرة كاملة يرجع إليها. ذكر العلماء لطيفة، قالوا إن (وليتلطف) في سورة الكهف، هي وسط الآيات ما قبلها وما بعدها سواء، فقالوا إذاً ترسم منهج الوسطية، فهي {وليتلطف} وهي كلمة كما ذكر المفسرون، ما قبلها من آيات القرآن وكلمات القرآن وما بعدها متساوٍ، فهي في الوسط، {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} إذاً خذوا منهج الوسطية تلطفوا في حل مشكلاتكم مع الراعي والرعية. أقول للحكام تلطفوا مع شعوبكم، القوة لا تحل المشكلات مع شعوبكم، انظروا ماذا فعلوا في الثورات العربية، أرادوا يحلوا المشكلة بالتدمير، كيف كانت النتائج؟ رئيس دولة من الدول الذي تعرفون ما يعيشه الآن أقسم أنه لن يخرج من بلده ولن يتنازل عن الحكم، وبدأ يقتل في شعبه، ماذا كانت النتيجة؟ بعد أيام وإذا هو يهرب! {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم زوال، وسكنتكم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال، وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} نعم هذه الآيات قد تكون في الآخرة وغيرها، ولكن العبرة بعموم اللفظ، حقائق، دمروا بلادهم وشعوبهم، ودمروا أنفسهم! وهم الآن يذوقون البلاء، وينطبق عليهم –وإن كانت هذه الآية في الآخرة- لكن لها معنى في الدنيا {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم في عذابها} واقع الآن ينالوا جزاء ما فعلوا. لو تلطفوا مع شعوبهم وصدقوا مع الله، ما وصلت هذه الأمور إلى ما وصلت إليه، لكن البعد عن القرآن والسنة وعن منهج القرآن كما هو هنا، أوصلهم مع شعوبهم إلى هذه النهايات المؤسفة، ودمرت البلاد، وتدخل الأعداء في الشرق والغرب. وهكذا في البيوت، إذا ما تلطف الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها، والأب مع أبناءه، يتدخل الجيران والأقارب، ثم تكون قطيعة أحياناً، لو تلطف وحل المشكلة بهدوء، لانحلت أحياناً في كلمات {وقولوا للناس حسناً}، {وهدوا إلى الطيب من القول} هؤلاء الفتية سلكوا منهج التلطف، والهدوء {ولا يشعرن بكم أحداً} فنجوا. أيضاً أيها الأحبة.. سلامة المأكل والمشرب {فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه} فيأتكم بطعام حلال فقط (وإنما) {أزكى طعام}، «وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، هل نحن نبحث عن الطعام الحلال، بعض الناس الآن يفطرون ويتسحرون على حرام!! كيف؟ أموالهم حرام! قد يتصور البعض عندما أقول أموالهم حرام أنه الربا، نعم الربا حرام، أنها السرقة، نعم حرام، الذي لا يؤدي حق الله في دوامه، الموظف لا يؤدي، يأكل حراماً ويؤكل أبناءه حراماً. الموظف الذي لا يؤدي وظيفته كما ينبغي ولا يداوم كما ينبغي قد أكل حراماً بنسبة تفريطه. الذي لا يصدق في بيعه وشراءه، أكل حراماً ثم يقول البعض لماذا لم يستحب لنا، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «رب أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء، يارب.. يارب.. يارب.. ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك» (لماذا) تلاحظون كثير من المسلمين يدعون يدعون.. يدعون، ولا يستجب لهم! أنا لا أقول لا بد أن يستجاب مباشرة، لأن الدعاء له أحكامه وله ضوابط، ولكن إذا دعونا ونحن موقنون بالإجابة «ادعوا الله وأنتم موقونون بالإجابة» يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يستجاب للإنسان مباشرة، أو يصرف عنه من السوء، أو تدخر له يوم القيامة. لكن يلاحظ الإنسان عدم الاستجابة لأن الطعام لم يكن حلال عند كثير من المسلمين، وهو سبب من الأسباب. حتى في رمضان، ونقول لما لم يستجب لنا، يجب أن نصدق مع الله، هؤلاء الفتية، يقولون {أزكى طعاماً} طعامهم حلال، طيب، يتحرون في ذلك، لا يأكلون ما هب ودب، ويقولون الحلال ما حلّ باليد، لا، الأمر ليس كذلك –أيها الأحبة- الطعام والشراب مؤثر جداً في العمل، فتحرى عن طعامك. سبحان الله! هل نحن نتحرى في طعامنا وشرابنا، في باب الإجارة ذكر العلماء هذا الكلام العجيب، ارجعوا إليه في كتب الفقه، يقولون إذا استأجر إنسان أجيراً مثلاً من الساعة الثامنة صباحاً إلى صلاة المغرب، يعني من الصباح إلى المساء، هل يحق للعامل أن يصلي النوافل، قالوا أما الفرائض فإنه يصليها دون استئذان ممن استأجره، طيب الرواتب، اختلف العلماء، والقول الراجح أنه لا مانع أن يبكر ويصلي الرواتب بدون إذن من استأجره، طيب التنفل، لا. واحد يعمل موظف أجير عن الدولة أو غيرها، جاء الضحى وعنده عمل ومصالح المسلمين، هل يذهب ويصلي ركعتي الضحى، لا، لأنه أجير، إلا إذا كان لا يخل بالعمل، ولا يعطل مصالح المسلمين، أو يأذن له من استأجره رئيسه أو صاحب العمل، هكذا قال الفقهاء –الله يصلح الأحوال الآن- انظروا بدء الدوام ونهاية الدوام عن الموظفين، انظروا وهم جالسون ويلعبون وهم على الانترنت ومضيعين معاملات المسلمين، معاملة تنتهي بساعات، ومع ذلك تجلس أياماً وأشهراً. هذا إذا وجدت الموظف، أنا لا أعمم الحكم في موظفون أخيار، هناك مسؤولون أخيار، هناك صالحون، أتكلم عن حالة عامة موجودة، ثم نقول لماذا لم يستجب دعانا؟ لماذا أولادنا فيهم كذا؟ لماذا.. لماذا؟ {أزكى طعاماً} ابحث عن الطعام الطيب الخير، من المال الذي تكسبه، هنا ينجيك الله جل وعلا، هنا تجد راحة في بيتك، تجد سعادة، تجد استجابة لدعوتك، تجد فعلاً حياة أخرى. أما أن تأكل الحرام والمتشابه، وتقول مع ذلك، لماذا.. ولماذا؟ هذا على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأمة انتشار الربا، والرشوة، والتأمين المحرم، أمور كثيرة، أودت إلى مصائب وإلى ظلمات فلنتق الله جل وعلا، هذه معاني –أيها الإخوة- مهمة جداً. أختم بهذه الكلمات، من النتائج لثبات هؤلاء الفتية، الكرامات، أعطاهم الله كرامات عجيبة، {وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} ماذا أعني بهذا؟ أعني بهذا أن الله سخر لهم الكون، أيضاً نجد أنه في داخل الكهف رحمة، وخارج الكهف، {لو اطلعت عليهم لو ليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً} تجد الله سخر لهم حتى الحيوانات، وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد. قصر المحنة، هذه المحنة الطويلة، {كم لبثتم، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم}. أن ثباتهم كان سببا لثبات الآخرين. عجباً أول الأمر {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم} انظروا وفي الأخير، {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً}، بيّنا حكم البناء على المساجد لكن بين رجم، ووصل إلى الغلو لأنهم ثبتوا على دين الله جل وعلا. من اللطائف أختم بها {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} ذكر العلماء كابن القيم أن النوم على اليسار قد لا يقوم الإنسان لأن القلب يصبح مطمئن، لكن لو نمت على اليمين وهي السنة، يصبح القلب معلق، فتستيقظ بإذن الله، بخلاف النوم على اليسار. أيضاً {وضربنا على آذانهم} ذكر بعض العلماء أنه لو سد الإنسان عند نومه أذنيه ينام نوماً هادئاً مريحاً {ضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً}، وقد جرب هذا ونجح، خاصة لم تزعجهم الأصوات، هذه لطائف سريعة وتجارب. أسأل الله أن يثبتنا وإياكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.