في الوقت الذي تستعد فيه خلايا قوات خاصة سورية لإطلاق صواريخ على دبابات إسرائيلية، يتمترس مقاتلون ليطلقوا آلاف الصواريخ علي إسرائيل. أما الدفاع الجوي فيهدد بصواريخ 300S التفوق الإسرائيلي المطلق. وفي الوقت نفسه تناور بعنفوان يسلب الألباب دبابة الصنف المدرع ذات المحرك التوربيني T-80 متباهية بأنها سيدة دبابات القتال الرئيسية في العالم، وهذا السيناريو المخيف يعكس التغير الدراماتيكي الذي مر به الجيش السوري، فبينما كنا في غفوة استطاع الأسد الوصول لتوازن استراتيجي مع إسرائيل. لكن عمير ربابورت الذي كتب هذا التقرير لجريدة «معاريف» الإسرائيلية، لم يكتب أن نظام الأسد في مكان خارج الزمن لا تدق فيه ساعة، أمر بالفتك بأهل حماة بالقوات نفسها. فإذا لم يكن هذا محزنا فأين تكمن التراجيديا؟! إذا التزمنا الصمت حملنا وزر النوايا كما قالت الكاتبة السورية غادة السمان، وأعادها مواطنوها بشعار «صمتكم يقتلنا» لتواطؤ وتباطؤ العالم الذي لم يتحرك إلا بعد أن قتل البعث 1649 شخصا واعتقل أكثر من 12 ألف شخص ونزح الآلاف. لقد حملنا وزر النوايا في الخليج بصمتنا حتى عبر المجلس مؤخرا عن «الأسف والحزن لاستمرار نزيف الدم» فما الذي دفع المجلس للخروج عن صمته وما التحرك الخليجي المستقبلي؟ لقد كان الرأي الرسمي الخليجي مشوشا لأشهر, وأخفق في التحديد الدقيق لرؤيته، فلم يكن واضحا حيال ما يجري حتى عبّر المجلس عن حزنه، وعبّر خادم الحرمين الشريفين عن غضبه، حيث تأسست قناعات المجلس الجديدة على المقدمات التالية: 1. تغلبت نزعة العنف المفرط على النظام السوري بدرجة لا يمكن التنبؤ بتبعاتها. 2. الانتشار الجغرافي الكبير لعمليات القمع المنهجي. 3. زيادة عزلة نظام الأسد بتغير الموقف الإقليمي والدولي، فالإدانات الواضحة ليست من أميركا والاتحاد الأوروبي وتركيا فحسب، فقد وصف بان كي مون الأسد بأنه فقد كل مشاعر الإنسانية، بل إن نجاد قال في تقرب حذر لإجماع الشرعية الدولية حول سوريا «إن من حق الشعوب أن تطالب بالحرية». تبعها ديمتري مدفيديف بمسمار آخر في نعش الأسد حين قال «ينتظره مصير محزن». 4. كما أن من أسباب الموقف الخليجي الجديد إيمانها بأن الأمن القومي العربي غير قابل للتجزئة، فحمل في طياته شعورا بدقة المرحلة التي تمر بها سوريا، وليس ما يروج له البعثيون من وجود محرك غربي للموقف الخليجي. 5. ضغط الشارع الخليجي الذي هاله في شهر رمضان بشاعة النظام البعثي ووصول الضغط حد المطالبة بطرد السفير السوري، بل استفتاء العلماء في هدر دمه. إن من أسباب حزننا أن معادلة دول المواجهة ودول المساندة التي أقنعنا البعث بأنها معادلة ذات مجهول واحد كانت معادلة بمتغيرات عدة فقد كانت ابتزازا متقنا لأموالنا، ودبابة تصب حممها في ريف دمشق لا الجولان، وأخيرا تهديد بالعبث بالاستقرار الطائفي في مجتمعاتنا. أما مستقبل التحرك الخليجي فيعرف من يتعاطى تحليل العلاقات الدولية أن الدخول في نوايا الدول أمر أقرب للعبث، ويحل محله معرفة قدرات تلك الدول وما يمكن أن تحققه، وفي ذلك نرى أن بيان المجلس سيكون فتوى بإهدار دم النظام البعثي في سوريا على يد الشرعية الدولية، مماثلا لما تم في ليبيا. كما سيتدرج خطاب الإنذار الخليجي من «أن ما يحدث في سوريا لا نقبل به» إلى فتح جبهات مقاطعة، وطرد من الجامعة العربية، يتبعها سحب السفراء بدعوى التشاور، وتلك مسميات دبلوماسية مهذبة لما هو أكثر قسوة، يرافقها حرب إعلامية تحطم الطغاة فنتحلل من وزر النوايا.