حين يعزم الإنسان على ترميم منزله قد يحسب أن الأمر سهل، ويضع في رأسه خارطة صغيرة للإصلاحات.. هكذا.. ولكن ما أن يبدأ حتى لا ينتهي.. فشرارة الترميم تصبح حريقة، والخارطة الصغيرة تمتد وتتورم كالسرطان والعياذ بالله، والأمر الذي ظنه سهلاً يعود في غاية الصعوبة والتعقيد.. إن ترميم المنزل يشبه حك الجرب، فالمصاب بهذا المرض الجلدي الوبيل يحس بالحاجة الماسة لحك جلده، ولكنه كلما فعل طلب منه الجلد حكاً أكثر، وزاد احمراراً وانتفاخاً، كفانا الله شر الجرب والترميم! كثير من المتمرسين بالعمار يرون أن بناء منزل كامل، على أرض بيضاء، وفق مخطط محكم، أسهل من ترميم منزل قديم تتداعى أجزاؤه وتتهالك أنحاؤه كلما عملت فيه جديداً صرخ: هل من مزيد؟! ولا يكاد يوجد أشد استدراجاً للمال والجهل وتلفاً للأعصاب من ترميم منزل قديم، فكلما بدل صاحبه شيئاً اتضح أنه لا يصلح إلا بتبديل ما حوله، وتستمر الحلقة المفرغة كأنما غاص المرمم في الرمال المتحركة كلما أراد الخروج أمعن في النزول.. قد يضع الإنسان ميزانية في حدود مئة إلى مئة وخمسين ألف ريال - كحد أقصى في ظنه - لترميم منزله، ولكنه لا يكاد يبدأ حتى يلهث المنزل في الطلبات ويطمع في المزيد من التغيير والتزيين وتجر الأمور بعضها بشكل عجيب غريب فإذا الميزانية المرصودة تتضاعف ثلاث مرات على الأقل، والوقت المحدد يتمدد خمس مرات، والمشكلات المحسوبة تتضاعف بشكل غير معقول.. (حرك تبلش) مثل أصدق ما يكون على ترميم منزل قديم! وللأديب توفيق الحكيم كلام مضحك طويل عن تجربة والده في ترميم منزل كبير قديم اشتراه وظن أن ترميمه سهل سريع فأكل عمره وماله وصحته وأخذه من الأدب والقضاء إلى مكابدة العمال وملاحقة المقاولين ورؤية النجوم في عز الظهر. انتبهوا أيها المرممون! قد أعذر من أنذر!