رمضان شهر يغذّي الروح ويهذّبها، ويسقي الوجدان، ويجدّد العقل، ويمتّن قاعدة التوازن النفسي.. من مقاصد الصيام تربية الذات على قيم كبرى لها أثرها الذي ينعكس على الإنسان طيلة أيام السنة، وإحياء فقه الاستشعار الذي يغذي الضمير... ومن مقاصده الكبرى تحقيق العدالة القانونيّة والاجتماعيّة؛ فكلّ الناس سواسية على اختلاف ظروفهم؛ فليس هناك فرق بين غنيّ وفقير.. وهو شهر يحتاج إلى قراءة خاصة تختلف عن كل قراءة، لما تميّز به، مقارنة مع غيره من شهور، قراءة واعية نابعة من استعداد نفسيّ وعقليّ وعلميّ. يجب قراءة القرآن بشكل مختلف عن كل القراءات التي لم تعالج الكثير من القضايا التي يعاني منها المسلمون. فمن يطّلع على التفاسير يجد أنها ألوان مختلفة؛ فشيء مفسر بنكهة لغويّة نحويّة، ونوع ثانٍ مفسّر بصبغة فقهيّة، وثالث بطريقة حديثيّة، وآخر بشكل عصرانيّ مرتبط بالواقع والظروف المتصلة بالإنسان.. القرآن كتاب إلهيّ يحتاج عناية خاصّة تفوق كل العنايات التي تحيط بالكتب المعتبرة في نظر العلماء.. يجب أن تكون هناك برامج على المستوى الذاتي من ناحية قراءة القرآن والتعمّق في أسراره ومقاصده، وهو وثيقة سماوية. يقول تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ). وتكون هناك برامج إعلامية أخرى على نطاق أوسع لبثّ الوعي الذي يليق بمقاصد النصوص الإلهيّة، متخصصة في علوم القرآن، تقدم رؤية جديدة مختلفة عن الرؤى السائدة التي لا تحقّق المقاصد الشرعيّة. فهو موسم مليء بالدورات في مختلف الفنون، في تعزيز القيم والأخلاق، والاستشعار بحال الإنسان، وصقل الذات وتمرينها وتدريبها على الصبر وقوّة التحمّل.. من الملاحظ أنه مازال استقبال هذا الموسم لدى الغالبيّة من المسلمين بطريقة تقليديّة لا تليق بعظمة هذا الشهر العظيم.. فهو شهر يبثّ ثقافة التسامح، ويرطّب الضمير ويحيّيه، وينتصر لحقوق الإنسان وكرامته.. فهو ينتصر للفقراء ضد جشع الأغنياء، وغباء الأنظمة التي تسوّغ الفساد والغشّ.. أشعر بالحزن حينما أرى طريقة الاحتفال والاحتفاء بمقدم الشهر بشكل بارد عاري من الروح الدافئة، بينما الآخرون من أصحاب الأديان الأخرى يحتفلون بشكل لافت وباهر وبارع للغاية لحدّ الجنون لمواسمهم حتى يعرّفوا الآخرين بها، ونحن أحقّ منهم بالاحتفال. البعض يجيد الامتناع عن الأكل والشراب، بينما يخترق كل الحدود الأخرى من دون مراجعة ذاتية تهزّ الضمير والوجدان من أجل الاستيقاظ من الغفلة.. والبعض الآخر يجيد عمليّة التديّن المؤقت ومن بعد انتهاء رمضان يختلف الحال..! ما زالت المحاضن التربويّة تعاني أزمات في طريقة فهم القرآن، فتركيزها منصبّ على الحفظ دون الفهم الذي يفوق الحفظ أهميّة، وهو المقصد الأساسي من نزوله، وهي إشكاليّة تصعب عملية الفهم الناضج الذي يبحث عن المقصد الصحيح المختبئ في باطن النص.. من عاش بين اليهود والنصارى أو راقبهم عن كثب يجد أنّهم أكثر تطبيقًا للقوانين والسنن الكونيّة من المسلمين أنفسهم، ولذلك نجد المجد والقوة بيدهم والمسلمون في عالم دون ذلك. تجدهم أكثر كسرًا للقوانين والتعاليم القرآنيّة من دون إحساس بالألم والمراجعة.. هذا الموسم يعتبر إيمانيًّا، والتفكّر والتفكير هي أنضج أسباب تعميقه.. أسأل العظيم أن ينتصر للإسلام من المسلمين..