جلست أفكر في هذا الوباء الذي اجتاح البلاد. أصر على وباء ولا أقول ظاهرة، لأن الأخيرة استُهلكت ولم يعد استخدام – الكلمة - يلفت الأنظار «كأن هناك شيئاً يلفت الأنظار؟» والقصد هنا هو «وباء العالمية»، الكل يريد أن يكون عالمياً، جامعات ومشاريع جهات، وحتى أشخاص ومبادرات، حتى في أسماء شركات ومؤسسات وتموينات، لكن للأسف كلها يافطات، لوحات وأخبار صحافية فلا عالمية حقيقية، والدليل بقاء قضايا ومعوقات محلية على حالها سنوات، وأشعر أننا في مزايدة إعلامية في ساحة أو «حراج» العالمية، وكانت القشة خبراً صحافياً أرسله لي صديق من «معقدي الشوش» منشوراً في صحيفة «الجزيرة» يقول «الدريويش: وجود أكثر من عشر جنسيات مختلفة في النادي الصيفي بمعهد إمام الدعوة دليل على عالمية الجامعة». التصريح منسوب الى وكيل جامعة الإمام الدكتور أحمد الدريويش. وللأمانة والموضوعية، فإن نص الخبر لا يشير إلى قول الوكيل ذلك، حيث جاء في النص «كما أشاد الدريويش بما يحتويه النادي من تنوع في الجنسيات، حيث يحتوي على أكثر من عشر جنسيات مختلفة عربية وأفريقية وغيرها، مؤكداً أن ذلك ليس غريباً على جامعة الإمام، فهي تحتوي على أكثر من (70) جنسية».انتهى، وهذا كلام معقول ودقيق يختلف عن العنوان، ولأننا في الصحافة نعلم كيف تطبخ الأخبار نخمن أنه لم يقل لكنه اجتهاد «بهار وبزار» إما من المحرر أو العلاقات العامة، وفي كثير من تلك التدخلات أخطاء - على سبيل المثال قال لي الدكتور مفرج الحقباني نائب وزير العمل «الجديد» إنه لم يذكر شيئاً عن المكتب الاستشاري في ما نشر، بل نسب إليه ما قاله بعض أصحاب مكاتب الاستقدام! ومربط الفرس في موضوعنا اليوم هو هوس التصنيفات العالمية والدولية، فهذا «التشقق» في التضخيم والتكبير ونفخ البالونات نتيجته مزيد من الإحباط، فالناس ينظرون إلى هذه البالونات في الفضاء ثم يعيدون النظر إلى واقعهم المعروف، وهي مسؤولية الصحافة والإعلام، إلا إذا قال المصدر ذلك وهو غالباً «ما يقصر» في العالمية وسيصل قريباً إلى الكونية. قلت إني أخمن مع ترجيح أن الجامعة لا شك تحب وتحرص على أن يقال عنها «عالمية»، ومن الشواهد أنها تعتزم عقد مؤتمر «دولي»، عن النصيحة...! «يعني بتنصحون العالم»! وجامعة الإمام ليست الوحيدة في هذا السباق التفاخري، فهناك جهات وجامعات أخرى تحرث بحثاً عن مناسبة أو فكرة «عالمية» غرضها إعلامي محلي بحت! تتبخر بانتهاء وهج الفلاشات، أما الواقع فيقول إن لدينا عالمية في التصريحات... العالمية.