د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية من يراقب مسيرة الثورات في العالم العربي يجد أنه ليس سرا بأنها قد أزاحت الستار عن حقائق كثيرة لم تكن لتظهر لولا هذه الأحداث، وفضحت رموزا كانت تظهر في صورة تماثيل من حجر، فإذا هي كراتين من ورق: فضحت ثورة تونس رمزها الذي كان يخبئ كثيرا من المال العام في بيته، وفي زوايا دواليبه، ومن وراء الكتب والرفوف، كما يفعل اللصوص، والإعلام التونسي هو الذي كشف عن ذلك صوتا وصورة. فضحت ثورة تونس ما كانت تقوم به محاكم التفتيش في دوائر أمن الدولة التونسي، وفشلها الكبير في قتل الدين في نفوس الناس، حتى إذا انهار النظام عاد الناس إلى سجيتهم، وغصت المساجد والجوامع بالمصلين، وظهر الحجاب على النساء، وبدا أن الديمقراطية التي كان يتشدق بها رمز النظام التونسي ما هي إلا شعار يختبئ وراءه أكوام من الفساد، والظلم، وقمع الحريات، وسرقة أموال الدولة. فضحت ثورة مصر حجم الفساد الكبير الذي كان يحظى به رموز النظام السابق، فما إن سقط النظام حتى سقط معه رموز الفساد، وأحيل اللصوص الحقيقيون إلى السجون، وظهرت الأوراق الرسمية التي تثبت المتورط الحقيقي في قضايا كثيرة، ومنها قضية تفجير كنيسة القديسين التي اتهم بها أحد السلفيين سابقا، وعذب تعذيبا شنيعا، وأعيد جثة هامدة إلى أهله في الليلة التي اعتقل فيها نفسها، فإذا المتهم الحقيقي الوزير المختص، وأدين بالتهم الجنائية المجرمون المتقنعون سلفا بقناع الدولة، وحكم على سراق مال الدولة بالسجن أعواما على مرأى ومسمع من العالم، وتبين أن عددا كبيرا من الشرط وقوات الأمن - الذين يفترض أنهم حماة الوطن - أنهم مجموعة من مخترقي الأمن، ومفسدي الوطن، ومروعي المواطن، كما تبين بسقوم النظام أن كثيرا من المساجين ما هم إلا مجموعة كبيرة من الأبرياء أدخلوا السجون للمحافظة على بقاء رموز الفساد في النظام. لقد فضحت ثورة مصر وسورية صورة كثير من الفنانين الذين كانوا يتصدرون الصحف، والإعلام، وكأنهم رموز الوطن، وحماته حضاريا وثقافيا، حتى إذا تلطخت أيدي تلك الأنظمة بدماء شعوبها، وسقط أبناؤها صرعى جلاوزة النظام، وقف هؤلاء في جنب النظام الفاسد يحامون عنه ويناصرونه، ففضحت الثورة هذه الوجوه الكالحة، وبدت الصور تظهر على حقيقتها دون مكاييج. فضحت الثورات العربية سلبية الإعلام المصفق مع الأنظمة الدموية، ووقوفه مناضلا عن رموز الفساد حتى آخر لحظة، حتى إذا سقط النظام المصري مثلا، انقلب الإعلام 180 درجة؛ ليلعن النظام السابق..! ونحن في انتظار ما سيفعله الإعلام السوري.. وغيره من المطبلين. فضحت الثورات الليبية والسورية عددا من المحللين، والذين كانوا يرفعون دوما أصواتهم في وجه الظلمة والطغاة، ويتشدقون بالمطالبة بالحريات، حتى إذا قامت الثورة الليبية والسورية تلكأ هؤلاء المحللون والإعلاميون، وانحازوا للظالم ضد المظلوم؛ بحجة أن لرموز هذه الأنظمة مواقف ممانعة ضد الغرب، وهي ممانعة تفتقر إلى ممانعة، وبهذا أخفق مجموعة من الإعلاميين، من أمثال عبد الباري عطوان، وغسان بن جدو، وغيرهما كثير، ولم يكن أحد يتوقع هذا الإخفاق.. وإن كان إخفاق الأخير أشد؛ لأنه ظهر في قناة الدنيا التابعة للنظام السوري على مدى حلقات، وبشكل مخجل..! فضحت الثورات العربية عددا من السياسيين، وموقفهم المتخاذل من دعم الشعوب المقهورة المظلومة، حيث سيسجل التاريخ هذه المواقف الباهتة، أو المنحازة للطغاة بأوراق سوداء قاتمة. فضحت الثورات العربية بعض المفتين الذين يتغاضون عن جرائم نظامهم الظالم، ويمهدون بفتاواهم قتل الأبرياء، واستباحة دمائهم، حتى تجسد بفتاواهم ومواقفهم حجم الفساد الذي طال تلك المؤسسات الدينية. فضحت الثورة السورية حجم الحقد الذي يضمره إيران وحزب الله لإخواننا السنة في سورية، حيث تورط هؤلاء في إرسال جنود من الحرس الثوري ومن حزب الله للتنكيل بالثائرين السنة، وقبض الثوار على عدد منهم، كما نقل في عدد من وسائل الإعلام، ولا يختلف اثنان على أن تدخل إيران وحزب الله، ومسارعتهم في عملية إنقاذ النظام السوري، هو من أجل استمرار شريان الدعم لهذين النظامين، وسقوط النظام السوري يعني قطع الشريان السوري، وبالتالي حدوث جلطة مفاجئة، وشلل نصفي - على الأقل - لهذين النظامين في المنطقة. فضحت الثورات العربية بأن من أصحاب الأفكار المناهضة لاتجاهات الشعوب السنية المسلمة من أراد أن يستغل موجة الثورات ليمرر أجندة معينة، ومنها انتهاز الطائفة الشيعية في البحرين لفرصة الثورات العربية؛ ليصنع ثورة صفوية ظهرت في اللافتات العنصرية لينتزعوا بها الحكم السني، وينتجوا حكومة طائفية صفوية، وإدراك الطائفة السنية لهذا الواقع كان أحد عوامل الإنقاذ للحكومة السنية. إن هذه الأحداث قدمت دروسا عديدة في أقل من ستة أشهر، فصنعت خلال هذه الحقبة، ما لم تصنعه أحداث كثيرة في عقود طويلة.