مرام عبدالرحمن مكاوي - الوطن السعودية هكذا إذن ابتدأ مسلسل قيادة المرأة للسيارة ولم ينته بعد، منذ أن بدأته نجلاء حريري، مروراً بمنال الشريف، ووصولاً إلى وجنات الرهبيني. وفي القائمة أخريات نجهل أسماءهن ونعرفهن بمناطقهن، فهن ينتمين للقصيم والرياض والقطيف والطائف وأماكن أخرى. وأتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من لعبة "توم وجيري" هذه، بين المزيد من النساء المتحمسات وبين دوريات المرور! قضية "حق المرأة السعودية في قيادة السيارة" ليست جديدة، وكذلك المطالبة بها عن طريق قيادتها للسيارة فعلياً في شوارع المملكة ليست جديدة أيضاً. فقبل حوالي عشرين سنة كانت هناك محاولة مماثلة، وبالرغم من هذه السنوات الطوال التي تفصل بين المحاولتين، إلا أن هناك الكثير من أوجه الشبه بينهما. فمن ناحية كانت المبادرات سيدات لهن وزنهن في المجتمع، ولم يصدر ذلك من مراهقات لاهيات، وأنها تزامنت للأسف مع أوضاعٍ غير مستقرة في المنطقة، وأن ردة فعل الأصوات العالية إياها في المجتمع تجاه هؤلاء النسوة كانت سلبية جداً وفيها فجور في الخصومة. لم نكن في عام 1411 إلا طالبات في المدرسة الابتدائية، بالكاد تعلمنا كيف نقرأ، ومع ذلك فقد وزعت علينا، طفلة مثلنا، ورقة مطبوعة بالآلة الكاتبة فيها أسماء لعدة سيدات وأزواجهن مع استخدام أقذع العبارات للتعريف بهن. عنوان هذه الورقة كان: بيان بأسماء الفاسقات الفاجرات اللاتي طالبن بقيادة السيارة. ثم وبجانب اسم كل سيدة كان هناك تعليق مثل:(دكتورة في جامعة الملك سعود- علمانية أو زوجة فلان وهو علماني). اليوم نحن في عام 1432ه، ويتكرر المشهد نفسه، سيدة أو مجموعة من السيدات يطالبن بقيادة السيارة، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الأسلوب المتبع، فإذا بهن يتحولن بين يوم وليلة إلى فاسقات فاسدات مفسدات ويُدعى على بعضهن بالهلاك من على منابر الجمع! أمرٌ لم نسمع بأنه حصل مع من ارتكبوا جرائم عظمى: من الإرهابيين الذين زعزعوا أمننا، ومن الوحوش البشرية التي مارست العنف الأسري وقتلت الأطفال الصغار، ولا حتى ممن سرقوا الوطن وتسببوا في كارثة جدة. هكذا تظل المرأة وشؤونها دائماً النقطة الأكثر إثارة لردات الفعل العنيفة، ولإدخال المجتمع في حالة من الانقسام. وهناك أسباب عدة لذلك، فمنها ما هو عائد للتاريخ والتقاليد والعرف، ومنها ما هو فكري وثقافي. شخصياً أرجح تأثير هذا الأخير لا سيما في هذه القضية، التي ظلت لفترات طويلة تُقدم في إطار ديني يؤيد المنع مستنداً على أسس شرعية، لكن سرعان ما لم يعد ذلك اللباس صالحاً في إقناع الكثيرين، لا سيما من النساء، بل وحتى الأجيال الشابة من الرجال. إن الجدل العنيف حول هذا الموضوع مجتمعياً هو بسبب كونه واحداً من أكثر نقاط التماس سخونة بين الأصوليين والليبراليين في معاركهم الاستقطابية التي كانت وما زالت من أقوى الأسباب التي تعيق تقدم المجتمع. فهناك من يدرك عبثية تضخيم أخطار موضوع كهذا، ومدى حاجة نساء كثيرات للقيادة، ومع ذلك يركب رأسه حتى لا يكون ذلك دليلاً على انتصار"العلماني الليبرالي". وهناك آخر ليبرالي، قد لا يبالي صدقاً بالنساء ولا مشاكلهن، ولكن يريد أن يرى خسارة خصمه اللدود، ولهذا نراه يشجع النساء على الخروج للشوارع، باستثناء نسائه طبعاً، ولن يكون أحد المتبرعين بالدفاع عمن تتورط في مشكلة بسبب ذلك. حين تحدث خادم الحرمين الشريفين للمذيعة الأمريكية (باربرا والترز) على قناة (ABC) قبل أكثر من خمس سنوات قال -حفظه الله- بأنه يعتقد بأن اليوم الذي ستقود فيه المرأة السعودية السيارة في بلادها سيأتي، بل إنها تمارس ذلك بالفعل حالياً في الأرياف والصحاري، فالأمر ممكن أن يعمم ولكنه يحتاج شيئاً من الصبر والتدرج. وإشارات أخرى صدرت من القيادة والمسؤولين تؤكد بأن الرفض مجتمعي في الأساس وليس دينيا أو سياسيا، وإن لم يصدر تصريح يوضح كيفية قياس هذا الاستعداد المجتمعي، وآلية التطبيق أو التدرج للوصول إلى القبول والإقرار. بعض النساء مللن من الانتظار، فبدأن في محاولات مختلفة يعتقدن أنها ستدفع باتجاه إيجاد حل جذري لهذه القضية. فهناك من قادت فعلاً في الشارع، وهناك من وقعت العرائض، وهناك من حاولت استخدام الإعلام الشبكي التفاعلي لنشر قضيتها ومحاورة المعترضين، هناك من لجأت لوسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، وهي طرق لن نتفق على إيجابياتها أو سلبياتها. ولكن هناك أمراً هاماً برأيي يغيب عن مبادرات القيادة التي أراها حالياً، وهو طرح الموضوع من زاوية "حرية التنقل"، فحرية التنقل مطلب أساسي وحيوي لكل فرد راشد. فمن المهم أن يكون لدى الإنسان القدرة على الوصول إلى بيته أو عمله أو مدرسة أطفاله أو المستشفى أو مركز الشرطة أو المحكمة أو حتى البقالة، ناهيك عن التنقل للزيارات الاجتماعية أو للترويح عن النفس. ولما كانت السيارة الشخصية ليست دائماً الحل الأمثل لتنقل الناس، إما بسبب الازدحام الشديد، أو وعورة المكان، أو التكلفة الاقتصادية، أو المشكلات البيئية، ولذلك ففي كل دول العالم المتحضرة، وحتى دول العالم الثالث، هناك شيء اسمه مواصلات عامة، أسعارها رمزية، ويقودها أشخاصٌ معروفون، في أوقات محددة، من أماكن معينة، بحيث يتمكن المقيمون والزوار من قضاء حوائجهم بسهولة ويسر. فحتى يُحسم جدل قيادة المرأة للسيارة في المستقبل القريب أو البعيد، هل يصح أن تنتظر المرأة وتتعطل مصالحها الحيوية؟ لماذا لا يتم إعطاؤها، هي وغيرها ممن لا يملكون سيارة أو لا يقدرون على القيادة لأي سبب ما، البدائل؟ سواء كانت هذه البدائل مواصلات عامة آمنة ومتنوعة خاصة بالنساء، أو توفير سائقين موثوقين من قبل جهات بعينها في الدولة يعملون بالساعة، أو توفير راتب بدل مواصلات وتنقل يُعطى للمرأة وتتصرف فيه لقضاء حاجياتها دون منة من أحد. أما الوضع الحالي، حيث لا مواصلات عامة، ولا تعويض عن رواتب السائقين، ولا سماح بالقيادة، فيجعل حال المرأة مع المجتمع أشبه بحال القطة التي دخلت النار فيها امرأة لأنها حبستها، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض!