استوقفني بل وذهلني خبر نشرته صحيفة الرياض في عدد يوم الجمعة الماضي عن قصة امرأة قرر زوجها أن "يطردها" من البيت لخلاف بينهما ونقلها إلى بيت عمها ومعها ابنتها. إلى هنا لا مشكلة كبيرة مع تحفظي على مسألة "الطرد" إذ إن بإمكان الزوج نفسه أن يغادر البيت إلى أحد أقاربه حتى تهدأ الأمور. المصيبة تكمن في أن عمها الذي هو أيضا زوج لأمها وشقيق لوالدها المتوفى هو الآخر "طردها" لأنه لم يقتنع بقصتها وانحاز إلى موقف زوجها. وعندما اعترضت أمها "زوجة العم" على "الطرد" قرر أن "يطردها" مع ابنتها وابنة ابنتها إلى خارج المنزل. ليس ذلك فقط بل إنه أصدر التعليمات الصارمة لكل من في البيت ألا يسمح "للمطرودين" أن يعودوا إلى المنزل وألا يتجرأ أحد الأخوان بفتح الباب لهم بعد خروجهم. الدراما تستمر في الإثارة. إذ يبدو أن أحد أشقاء الزوجة المطرودة تعاطف مع أخته وأمها وابنتها فرمى عليها من الخلف ثوب رجل وشماغ ومفتاح سيارته. وهكذا فقد ارتدت المرأة ثوب الرجل ووضعت الشماغ على رأسها واصطحبت معها ابنتها ووالدتها إلى خميس مشيط حيث يسكن خالها الذي يبعد عن منزل العم بما يقرب من 150 كلم. قادت المرأة سيارة شقيقها ووصلت إلى المكان في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ووعد الخال بأن يحاول حل الخلاف مع العم والزوج فيما بعد. ما الذي نقرأه من هذا الخبر؟ نقاط كثيرة في الواقع. أهمها الغياب الكامل لحق المرأة والرمي به عرض الحائط دون الخوف من أي مساءلة أو عقوبة. هذه النقطة تنكشف بوضوح في موقف العم الذي لم يكتف بطرد البنت بل طرد زوجته "أمها" معها ومعهما الصغيرة دون أن يفكر بمصيرهن. أضف إلى ذلك تهديده للأبناء بأن لا يفتح أحد منهم الباب ليسمح لهن بالعودة. هنا نلاحظ سبق الإصرار على الحدث. من خلال السياق فإن هذه القصة وقعت بعد الساعة العاشرة ليلا على أقل تقدير. دعونا من الشهامة والمروءة الغائبة هنا، في أي مجتمع لا فرق، هل يفترض أن يسلم مثل هذا الرجل من المساءلة القانونية والعقاب؟ ما هو الجرم الذي قد يسوغ لمثل هذه القسوة التي لا يمكن أصلا تبريرها مهما كانت الحال؟ في الدول المتقدمة في مواضيع الحقوق، فإن العم هنا ملزم بالاتصال بدائرة حكومية أو أهلية لاستلام المرأة وابنتها إلى حين معرفة تفاصيل القصة، هذا إذا كان يخشى على حياتهما من أي خطر. بل إن الرجل الزوج هو أيضا ملزم بفعل إجراء مشابه قبل أن يذهب بزوجته لبيت عمها لا سيما إذا كان يظن ولو بدرجة بسيطة أن العم قد يسيء معاملة المرأة وابنتها. أو كما أشرت في المقدمة، يغادر هو المنزل ويبقي على زوجته وابنته لأنه أقدر منهما على التدبر بشؤون نفسه ولو مؤقتا. في مثل هذه المواقف وفي البلاد الأكثر وعيا بالحقوق والواجبات تتدخل عدة جهات لإصلاح ذات البين ويتم كل هذا في أجواء تحفظ الحق والكرامة الآدمية وقبل كل ذلك الملاذ الآمن للمرأة ومن معها ولو بحدود معقولة. هذا يدفعني للتساؤل: هل يوجد لدينا إجراء كهذا خلاف السجن بالطبع أبعدنا الله وإياكم عنه؟ حقيقة لست متأكدا من ذلك وإن كان متوفرا فمن المؤكد أنه لا الزوج ولا العم والأهم من ذلك الزوجة وأمها يعرفون عنه أي شيء. النقطة الأخرى التي أتت في القصة هي حالة الرعب التي صاحبت المرأة عندما قادت سيارة شقيقها لمسافة 150 كلم وفي منتصف الليل. ما الذي كان سيحدث لو أن نقطة تفتيش أمنية أو دورية تابعة للهيئة استوقفتها؟ ستخرج المرأة هنا مخالفة للنظام كونها تقود سيارة. وقد لا يستمع إلى قصتها ومعاناتها أحد ممن يستوقفها لأن قضية قيادتها للسيارة وفي هذه الأيام تحديدا قد تطغى على أي حدث آخر. أيضاً وفي سياق مشابه أضيف لهذه القصة قصة أخرى تحدثت عنها الأخت منال الشريف التي لم يعد اسمها خافيا عن أحد بعد خروجها من الإيقاف. ذكرت منال بأنها تعرفت على امرأة داخل الإصلاحية لم تتمكن من مغادرة البلاد لمدة ثماني سنوات ولم تستلم راتبها لمدة ثمانية أشهر بسبب قرارات انفرادية من كفيلها وعندما هربت من هذا الكفيل تم القبض عليها وإيداعها في السجن. هذه المرأة تنتظر من يقدم لها يد العون لتغادر المملكة وتلتقي مع ابنتها في الفلبين. الحديث عن حقوق النساء في بلادي ومن خلال الإعلان عن مثل هذه القصص وقصص أخرى غير معلنة وأعرفها جيدا، يشوبه الكثير من الأسى والألم. يكفي أن أذكركم بما سبق وأن كتبت عنه أكثر من موضوع وهو نفقة المطلقة. في المملكة لا يزال قاضي المحكمة يستدير حول مبلغ الخمسمئة ريال كحد أعلى في الشهر للمطلقة بصرف النظر عن ملاءة الرجل المالية وبصرف النظر عن أي تظلمات قد تنادي بها هذه المطلقة. ولهذا فعندما "يطرد" الزوج زوجته وقد ينتهي الأمر بطلاقها فهو حتما لا يشعر بأي قلق من التبعات المالية. سيقول لنفسه: "راسمالها 500 ريال". هذا كله يحدث لدينا في المملكة العربية السعودية. في زمن المروءة والشهامة لم نكن نسمع عن مثل هذه الإهانات لأنها لا تحدث إلا من أخس الرجال وكان عددهم قليلا. اليوم يوجد خلل. كيف وصل بنا الحال إلى تقبل هذه الممارسات واعتبارها "أعرافا" مقبولة؟ سيظهر المزيد من هذه القصص وعلينا أن لا نتفاجأ كثيرا. الذي لا بد أن نستذكره مرارا وبلا نسيان هو أن الحقوق الإنسانية تأتي في مقدمة بناء المجتمعات التى يمكن الاعتماد عليها في بناء الوطن. المجتمع الذي يغيب الحقوق أو يجزئها هو مجتمع منقوص في قيمه وأخلاقياته وبالتالي في عطائه حتى لو توهم البعض بأنه مجتمع فاضل. مثل هذه القصص تخدش المشاعر الإنسانية بل والوطنية الصافية وتعود الناس على ممارسات هي في الواقع إجرامية. ليت الجهات المسؤولة تنتبه إلى هذه الثغرة التي تنخر سمعة مجتمعنا وكياننا. ليتها تبدأ بمعاقبة هذا العم الذي رمى بالنساء إلى الشارع وحذر من مساعدتهن. ليت الجهات المسؤولة تحاكمه وتحقق معه وتنزل به العقوبة المناسبة وتتم تغطية ذلك في وسائل الإعلام. إجراء كهذا، مع عدم اعتيادنا عليه، سيدفع بالكثيرين من أمثاله إلى التردد مستقبلا قبل أن يلحقوا الأذى بمثل هذه المرأة. أما إذا تركنا الحال كما هي عليه وإن للرجل الحق في أي وقت أن "يطرد" المرأة دون أي مساءلة وعقاب فنحن هنا متعاونون على الظلم من دون قصد.