صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية التجربة السنغافورية في مجال الإدارة والاقتصاد، تجربة ناجحة ورائدة لا شك في ذلك، وكثيرٌ من أساتذة الإدارة والاقتصاد عندنا يستشهدون بهذه التجربة كأنموذج يجب أن يُحتذى، إلا أن هذا النجاح من الخطأ تعميمه على المجالات كافة، فليس هناك دولة في العالم تتميز في مجال إلا وتجد قصوراً في مجالات أخرى، وهناك إشكالية نعانيها في مجتمعنا، وتُمثل مع الأسف ثقافة عامة، وهي أنه مثلما نُعمم أي خطأ يحدث في الداخل على الجميع، فلدينا قدرة عجيبة على تعميم أي نجاح يحدث في أية دولة من دول العالم، على مختلف جوانب الحياة فيها، بحيث نصنع قناعة عامة بتميز تلك الدولة في كل شيء. قبل أشهر وقعت وزارة الصحة اتفاقيتين إحداهما مع مؤسسة أمريكية للمستشفيات، والأخرى مع أحد المستشفيات الخاصة في سنغافورة، ووصفت الاتفاقيتان بأنهما نقلة نوعية في تسهيل علاج المرضى السعوديين في الخارج، وأن هذه الخطوة ستخفض نسبة كبيرة من تكلفة الإنفاق على العلاج بالخارج تصل إلى 40 في المائة في بعض الحالات، هذه الاتفاقية لم تصمد طويلاً بعد أن نُشرت أخبارٌ وتقارير صحافية عن وفاة أربعة أطفال سعوديين من مرضى الدم في مستشفى خاص في سنغافورة، ووردت في هذه الأخبار إشارات إلى تواضع إمكانات هذا المستشفى ( صحيفة "عكاظ" 26 مايو الماضي). هذا الإخفاق السريع والنتائج غير الإيجابية التي أفرزتها العمليات الجراحية التي أجريت في المستشفى السنغافوري دفعت وزارة الصحة إلى تعليق علاج مرضى سعوديين أرسلتهم لزراعة النخاع الشوكي للعلاج من سرطان الدم على نفقة الدولة في هذا المستشفى، على أن توفر لهم أماكن أخرى للعلاج في بلدان متقدمة. وهذا الوضع ربما يُعيد فتح ملف العلاج بالخارج، وهو ملف يمثل تكلفة عالية تتحملها وزارة الصحة لا تتوافق - في بعض الأحيان - مع النتائج المتحققة، وكانت التكلفة مقبولة حينما كان المرضى يُرسلون إلى مستشفيات لها سمعتها العالمية التي بنتها من خلال سنوات طويلة من الإنجازات، وليس من خلال تصنيفات دولية قد لا تتوافق مع الواقع. مستوى الطب في بلادنا متطور من حيث تأهيل الأطباء ومن حيث توافر الأجهزة الحديثة عالية التقنية، ولهذا ليس غريباً أن تُجرى عملياتٌ كبرى ومعقدة في بلادنا وتنجح، لكن المشكلة التي تواجه المستشفيات في المملكة أن عددها لا يتوافق مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان، ما شكل ضغطاً كبيراً على الخدمات الصحية، كما أن الاستثمار في هذا المجال لا يزال متواضعاً قياساً باحتياجات المملكة، ومعظمه عبارة عن استثمارات صغيرة، ولهذا فلو شُجع رجال الأعمال، وقطاع التأمين للاستثمار في إنشاء مراكز طبية متخصصة، وتم تحويل جزء من المرضى للعلاج فيها، لاستطعنا تجاوز هذا الوضع، ولوفرنا كثيراً من الأموال، ووجهنا جزءا كبيراً مما يُصرف على العلاج في الخارج لدعم هذه المستشفيات والمراكز. الغريب أن الجمعيات الخيرية في بلادنا غائبة عن هذا المجال، الذي يجب أن يكون من صميم اهتماماتها لتكسب الأجرين، توفير مورد مالي لا ينضب، والقيام بعمل إنساني تُشكر عليه.