-1 - نجيب غلاب، من المثقفين الطليعيين اليمنيين الشباب، الذين يبشرون بمستقبل مضيء لليمن، من خلال استمراره في البحث الاجتماعي والسياسي والتاريخي لليمن، كأستاذ للعلوم السياسية في جامعة صنعاء، وكمؤلف لثلاثة كتب مهمة في الثقافة اليمنية المعاصرة هي: "لاهوت النخب القبلية ..تقديس الشيخ ولعن الدولة"، و"الصراع على العرش..اليمن في ظل التحولات الديموقراطية"، و"الإسلامويات بين تخريب السياسة وتشويه الدين..اليمن المحاصر بين إخوان القبيلة، والقاعدة، وأموال الملالي". وقد قامت وزارة الثقافة اليمنية، بمصادرة هذه الكتب الثلاثة، ومنعتها من دخول اليمن، بعد أن نُشرت في بيروت. وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أن اليمن ما زالت تعيش في عصر، كان منع دخول الكتب، يعني إعدامها، ومنع القراء من الاطلاع عليها. في حين أصبح منع الكتب ومصادرتها، بمثابة حياة ثانية للكتب أقوى من الحياة الأولى قبل المصادرة، بما توفره ثورة المعلومات والاتصالات الآن من فرصة لتحميل الكتب بواسطة الإنترنت، وإتاحة الفرصة أمام ملايين القراء الراغبين، في الاطلاع عليها، وقراءتها حرفاً حرفاً. -2- وصلني كتاب نجيب غلاب "لاهوت النخب القبلية .. تقديس الشيخ ولعن الدولة" من بيروت، وقرأته، فحزنتُ حزناً شديداً. حزنتُ على هذا الجهد الضائع والعبثي والمجاني في هذا الكتاب، الذي يمتدح الحاكم علي عبدالله صالح مدحاً مجانياً، يريد من ورائه المنفعة المادية، وهو أشبه بمدح الفرزدق للأمويين، أو المتنبي (اليمني الأصل) لكافور الإخشيدي، أو نزار قباني لصدام حسين، أو أي شاعر قديم أو حديث، يريد عطاءً أو منصباً أو مطلباً. فقد مدح نجيب غلاب الرئيس علي عبدالله صالح مدحاً كثيراً، وجعل منه الحاكم الصالح والفالح، ربما طلباً لترقية ما في جامعة صنعاء، أو تحقيقاً لمأرب لا نعلمه، ولكن نجيب غلاب يعلمه. ورغم هذا كله، فلم يشفع له هذا المديح، الذي ملأ كتابه به، من منع هذا الكتاب من دخول اليمن ومصادرته. -3- فهل يعقل أن يكون الرئيس صالح الذي رفض الاستجابة – حتى الآن - للمبادرة الخليجية لإخراج اليمن من نفق الحرب الأهلية والمذابح الوحشية، هو الشخصية المتحفزة والمتفائلة، ويمتلك سمات القائد، كما وصفه نجيب غلاب؟ وهل صحيح أن الرئيس صالح – كما وصفه غلاب – قد أثبت وجوده في بنية الجمهورية من خلال المؤسسة العسكرية، كبنية حديثة، مستنداً إلى ملكاته، وقدراته. والثورة بمبادئها وقيمها، هي القوة الفعلية، التي فتحت له المجال لإثبات ذاته كفرد قادم من خارج النخبة؟ وهل صحيح أن الرئيس صالح، بعد هذه الانتفاضة الشعبية الغامرة في اليمن، هو – كما وصفه نجيب غلاب – لا يمكن أن يخون ثورته، التي رفعته مقاماً علياً؟ وأسئلة كثيرة يطرحها الأكاديمي نجيب غلاب على نفسه وعلينا، ونرى أن إجاباتها كلها واضحة، فيما انتهى إليه حال اليمن الآن، وفيما انتهى إليه الرئيس صالح نفسه الآن، وهو الذي وضع نفسه بنفسه في هذا المأزق الحرج. هذا وجه من أوجه الكتاب. أما الوجه الآخر فهو التالي. -4- كتاب الأكاديمي اليمني نجيب غلاب "لاهوت النخب القبلية .. تقديس الشيخ ولعن الدولة"، كان يجب على وزارة الثقافة ألا تمنعه من الأسواق اليمنية. بل العكس من ذلك، فلو بلغ الرشد في القائمين على مراقبة المطبوعات في هذه الوزارة، لطبعوه طبعة شعبية، ووزعوه بسعر رمزي، لكي يقرأه القاصي والداني في اليمن، ويرى وجهه الحقيقي في مرآة المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بالحقائق التالية، التي أوردها نجيب غلاب في كتابه: 1- أن المجتمع اليمني مجتمع أمي وبدائي، يهيمن عليه وعي القبيلة والثقافة التقليدية القبلية، وهي بنية راسخة. ولم يتمكن التعليم من مواجهتها، ولا من الحد من انتشارها. بل إن القوى المتعلمة أعادت أدلجة وعي القبيلة من خلال القيم الجديدة، لتظهر الصراعات السياسية بقيم حديثة، مؤسسة على وعي عصبوي قبلي. 2-القوى القبلية هي أكثر تنظيماً، وتمتلك قوى معسكرة خارج الدولة. لذا فقد فرضت وعيها، ومصالحها، على الجميع. وأصبح أي حاكم يريد أن يستمر في حكمه، مجبراً على أن يتحالف مع القوى الفاعلة في الساحة. 3-لم تتمكن النخبة الفكرية والمثقفة من بناء منهجية نقدية للثقافة التقليدية. على العكس من ذلك، فقد تمَّ إنتاج دراسات للقبيلة، عملت على التأصيل لها بمناهج علمية. 4- لقد أضعفت القوى التقليدية القوى الحديثة في الدولة. وقد تمكنت القوى التقليدية من امتلاك السلطة والثروة. ولأن المجتمع فقير، والقطاع الخاص ضعيف، وهش، ويعتمد على الدولة، وجزء كبير منه من إنتاج الدولة، وأغلب أطرافه جزء من لعبة الفساد الذي يحكم الدولة. 5- إن نجاح الفرد المتعلم بفكره الجديد، ارتبط بتحقيق النجاح، من خلال مراكمة الثروة، وبناء النفوذ، لا من خلال نضاله من أجل التغيير. وفي معركة البحث عن الوجود، من خلال الدولة، أصبح ولاء القوى الحديثة للفئة المنتجة للقوة والنفوذ، مدخلاً أساسياً لفوزها بالثروة. 6-الدولة في اليمن هي مصدر الثراء، لذا فقد وقعت كل القيادات الحديثة والنشطة في آلة الدولة، وتمكنت الدولة من توظيف هذه القيادات، في تسيير شؤون الدولة، وتوظيفها في عمليات النهب والفساد. 7-ولأن الدولة اليمنية دولة ريعية، ومع تعمق الفساد والصراعات المتلاحقة على الموارد بين النخب، لم يحدث أي تراكم للثورة. ولأن المجتمع اليمني مجتمع لا علاقة له بالإقطاع، والقطاع الخاص ربما ينهار بدون الدولة، لم تتشكل نخبة غنية قادرة على تكوين مصالح كبيرة، تستند في استمرارها على دولة منظمة يحكمها القانون. 8-رغم وجود طبقة غنية في اليمن، إلا أن تأثيرها سلبي، لأن القوى النخبوية الغنية في المجتمع القبلي والدولة، لم تتمكن من تراكم الثروة، حتى تُحدث تحولات فعلية لصالح الإنتاج.