عبد الوهاب الفايز - الاقتصادية السعودية ■ رحلة روائع آثار المملكة بين متاحف العالم الكبرى رحلة للتاريخ الإنساني ورسالة مهمة تحمل مضامين حضارية عن المملكة، وتبرز العمق التاريخي ليس للمملكة، بل للجزيرة العربية لكونها من أوائل مواطن البشرية، فعبر المعرض الذي انتقل إلى (متحف الأرميتاج) في سانت بطرسبيرج الروسية الآن، يرى الناس عمق التاريخ الإنساني، وبهذا المعرض يعرف العالم أن تاريخ الجزيرة العربية هو جزء مهم من التراث الإنساني العالمي. لقد تأخرنا في اكتشاف تاريخ الجزيرة العربية، فهذه المنطقة من العالم تحوي حقائق عن التاريخ السحيق للبشرية، كما تضم ما يهم التراث الإنساني والعربي والإسلامي، ورغم الاهتمام المتأخر إلا أن الاستجابة كانت سريعة للاعتراف العالمي بآثار المملكة، فمدائن صالح سجلت ضمن التراث الإنساني بفترة قصيرة، وإذا استمرت الاكتشافات فبدون شك سوف تكون هناك مواقع أخرى مهمة. معرض المملكة في الأرميتاج فرصة للمختصين وللهواة ولمحبي التراث الإنساني لأن يروا جانبا مهما من تاريخ الإنسانية، ومتحف الأرميتاج يعد من أكبر وأهم متاحف العالم ويزوره سنويا أكثر من ثلاثة ملايين زائر من مختلف أنحاء العالم، ويستضيف روائع من آثار المملكة بعد أن عرضت في اللوفر في فرنسا وفي أشبيليا في إسبانيا، والمعرض يتحمل كامل التكاليف، وهذا اعتراف بأهمية المعروضات وقيمتها الكبرى. هذه المعارض هي شهادة اعتراف دولية من كبار المختصين في علوم الآثار والمتاحف بمدى أهمية الآثار وقيمتها الحضارية ودورها في التواصل الفكري والثقافي بين الشعوب، وهذا يدعو إلى ضرورة تكثيف الاهتمام الوطني بالآثار حتى نعوض السنوات العديدة التي راحت، حيث ضاعت الآثار ونقلت من المملكة وبعضها دمر، والاكتشافات كانت محدودة، وهنا الجهد المطلوب من الهيئة العامة للسياحة والآثار يجب أن يكون في مستوى مكانة المملكة في التراث الإنساني والحضاري العالمي. هنا يجب أن نعترف بأن الهيئة ورغم مرور عامين فقط على تسلمها مسؤولية الآثار في المملكة، إلا أنها حققت العديد من الإنجازات لتأسيس صناعة متطورة ومحترفة للآثار، وتحققت العديد من المشاريع للتنقيب والمبادرات الخارجية رغم قلة (الموارد المالية)، وقلة عدد الموارد البشرية المتخصصة. الأمير سلطان بن سلمان، وهو يناضل الآن على هذه الجبهة الوطنية، يتطلع لأن تكون الآثار وسيلة حضارية، أي يريد نقلها لتكون صناعة متطورة تقوم على جهد مؤسسات محترفة، وأبرز ما يتطلع إليه الأمير سلطان هو أن تكون الآثار (وسيلة حضارية لتواصلنا مع العالم)، فالمملكة لها عمق في التراث الإنساني، ولها عمق في الحضارة العربية والإسلامية و(البعد الحضاري)، كما يقول الأمير سلطان، غائب وغير معروف مقارنة بالأبعاد السياسية والاقتصادية والدينية للمملكة، لذا الآثار تعد الميدان أو المجال الحيوي الجديد الذي يجب العمل عليه. من هذا البعد الحضاري يعمل الأمير سلطان على أخذ صناعة الآثار والمتاحف لتحقق هذا الهدف الاستراتيجي بعيد المدى خصوصا في الحقبة القادمة التي سوف تشهد تطور التواصل الاجتماعي واتساع الانفتاح الثقافي بين الشعوب، لذا الآثار والمتاحف، لكونها عنصرا محايدا وفعالا في الاتصال الثقافي، ستكون مجالا حيويا للتواصل مع العالم. حتى يتحقق هذا الهدف الوطني.. صناعة الآثار في المملكة أمامها مشوار طويل جدا إذا تحركت بإمكاناتها الحالية المتواضعة، ولكن عبر الدعم المكثف نستطيع اختصار الزمن وتعويض التقصير في الحقبة الماضية، القطاع يحتاج إلى موارد مالية وبشرية حتى يستطيع تحقيق ما نتطلع إليه لتسويق (البعد الحضاري) للمملكة. يقول مدير متحف الأرميتاح ميخائيل بتروفسكي وهو من خبراء الآثار المختصين في جنوب الجزيرة العربية ""إنه لا يمكن اكتمال دراسة الحضارة الإنسانية إلا بعد الاطلاع على تاريخ الجزيرة العربية"". إن العالم ينتظر منا أن نقوم بدورنا تجاه تراث الإنسانية، وفي قطاع الآثار نحن لا ننفق إنما نستثمر في صناعة مهمة للدخل الوطني.