أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار أن المملكة حرصت من خلال إقامة معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» على إبراز البعد الحضاري الذي ما زال مغيّبًا عن الذهنية العالمية، ولتعزيز هذا البعد الجديد ليضاف إلى الأبعاد الدينية والسياسية والاقتصادية التي عُرفت بها المملكة. وقال سموه في المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس الأول في قاعة المؤتمرات بمتحف الارميتاج في مدينة سانت بطرسبيرغ بروسيا قبيل افتتاح معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي يستضيفه المتحف الارميتاج بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار: «نحن سعيدون أن نكون في هذه الدولة الصديقة والمدينة الجميلة سانت بطرسبيرغ مدينة الحضارة والتاريخ وفي هذا المتحف العالمي الذي نعتز بإقامة هذا المعرض المميز فيه». كما أكد تميّز العلاقات بين المملكة وروسيا والتي تعود إلى بدايات تأسيس المملكة حيث كانت روسيا أول دولة تعترف بالدولة السعودية الحديثة في الثلاثينيات والآن قيادات البلدين تبني على هذه العلاقات الوطيدة التي شملت مجالات مختلفة ومنها المجال الثقافي الذي نعززه من خلال هذا المعرض، مشيرًا إلى أن التبادل الثقافي والتعريف بتاريخ وحضارات الأمم المتقاربة هو جسر مهم للتعاون. وقال: «المملكة عرفت أنها بكل اعتزاز بلد الإسلام وموطن الرسالة والحرمين الشريفين، كما أنها بلد الاقتصاد والنفط حيث تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، كما أننا نعتز ببعد المملكة السياسي وحراكها الدولي، واليوم نأتي لهذا المتحف العالمي للتعريف ببعد رابع ما زال غائبًا عن العالم وهو البعد الحضاري، وإبراز ما تتميّز به من تاريخ وحضارة وما شهدته من حضارات متعاقبة على مدى التاريخ نعتز بعنايتنا واعتزازنا بها. وأشار الأمير سلطان بن سلمان إلى أنه قد أصبح للمملكة اليوم حضورها المهم في العلاقات الدولية والتواصل الإنساني وهي اليوم تعرض الجانب الحضاري المغيّب عن الذهنية العالمية». وأضاف الأمير سلطان بن سلمان: «الإسلام ذلك الدين العظيم الذي نبع من أرض المملكة احترم الحضارات الأخرى، ونريد أن يرى العالم أن الدور الذي ميّز المملكة في الوقت الحاضر من خلال حراكها الدولي على مستوى العالم وفي مختلف المجالات بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنه حراك طبيعي وامتداد لدور أصيل وليس مستحدثًا وينبع من عمق التاريخ، ومن كون المملكة مؤهلة للقيام بدور عالمي مهم لأنها دولة قامت على أكتاف حضارات عريقة وتعتز بكونها مهد السلام وأرض الحرمين الشريفين، كما أننا نعيش اليوم المرحلة التي يعيشها العالم وهي مرحلة الانفتاح الثقافي والتواصل الاجتماعي، لذا فإنه بلا شك أن مما يساعدنا في ابراز البعد الحضاري للمملكة هو أنه دور أصيل حرصت على إبرازه القيادة الرشيدة وجاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني في إظهاره وابراز الصورة الحضارية المتميزة لهذا البلد العظيم». وعبّر سموه عن شكره لمتحف الارمستاج لاحتضانه معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» معربًا عن اعتزازه باستقبال قطع من متحف الارميتاج في معرض يقام العام المقبل في المتحف الوطني بالرياض، بالإضافة إلى بناء علاقات وثيقة في مجالات التدريب وبناء الخبرة في مجال المتاحف والدراسات الأثرية والتنقيب الأثري. وأضاف: «رغم أن الهيئة العامة للسياحة والآثار لم تتول قطاع الآثار إلا من سنتين فقط، فإنها قامت بجهود كبيرة وإنجازات مهمة، والآن تعمل في المملكة 18 بعثة دولية في مجال التنقيب عن الآثار تعمل جنبًا إلى جنب مع الفرق المحلية، والمملكة متحف مفتوح يضم آلاف المواقع الأثرية التي لم نستكشفها بعد، ونأمل أن نرى من خلال الارميتاج بعثة روسية للتنقيب الأثري داخل المملكة قريبا». وفي إجابة على سؤال عن أهمية الآثار غير المنقولة في المملكة وعناية الهيئة بها، قال سموه: «المملكة كما ذكرت متحف مفتوح وتزخر بآلاف المواقع ومنها مواقع مهمة مثل مدائن صالح التي تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي باليونسكو وهذه المواقع تحظى الآن بالحماية والتأهيل من الهيئة، كما أن هناك المواقع الأثرية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي والتي نعمل على تطويرها والمحافظة عليها بالتعاون مع الجهات المختصة، والمملكة ما زالت في بداية الاكتشافات الأثرية، ورغم ذلك عثرنا على آثار مهمة من أمم ما قبل التاريخ، وفي هذا المعرض نقدم قطعًا تعود لأكثر من مليون ومائتي عام، وموقع المملكة غني بالآثار وتراث الحضارات وسنعلن قريبا بإذن الله عن مكتشفات أثرية مهمة على مستوى العالم». وفي إجابة على سؤال آخر، أوضح الأمير سلطان بن سلمان أنه يتم الآن إعادة تقديم التراث الوطني للأجيال، وقال: «أنا دائمًا ما أقول لا بد أن نخرج الآثار من حفرة الآثار ومن حق المواطن أن يملك تراثه الوطني ويتعايش معه، لذلك فإنه من المسارات المهمة التي نعمل عليها حاليًا برنامج نعمل فيه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لترسيخ الوعي لدى النشء بالآثار والمتاحف، وأوقفنا بيع تذاكر المتاحف للطلبة، ومع إطلاق المتاحف الجديدة التي يتم إنشاؤها حاليا سننطلق بإذن الله مع الثقافة المتحفية الجديدة، ونحن نراهن خلال السنوات الخمس المقبلة أن نحقق نقلة جديدة في استيعاب المواطن لأهمية الآثار والمتاحف». مشيرًا إلى أن المملكة ستشهد نقلات مهمة في مجال المتاحف حيث يجري العمل على إنشاء 5 متاحف جديدة إضافة إلى 6 متاحف جديدة تحت التصميم. وفي إجابة على سؤال احدى وسائل الإعلام الروسية عن العروض التراثية المصاحبة للمعرض وهل الهدف منها جذب الزوار، قال سموه: «للمعرض دور مهم في توثيق العلاقة الثقافية بين المملكة وروسيا، فروسيا دولة ذات ثقل ووزن في العالم وهي من دول المستقبل وتقف على أكتاف آثار عظيمة وحضارات مهمة، وروسياالجديدة جزء مهم من بناء مستقبل الإنسانية، والتلاقي بين المملكة وروسيا هو امتداد لحضارات ممتدة عبر التاريخ، ونحن رأينا أن الشعب الروسي مهتم بالثقافة والفنون، والعروض الفنية التراثية المصاحبة للمعرض هي بلا شك جذب لشريحة الشباب للتعرّف على التراث السعودي بمختلف أشكاله وللاطلاع على المعرض واكتشاف آثار المملكة وحضاراتها. ورأى الأمير سلطان بن سلمان أن التعامل الحضاري الواعي والنظرة المتزنة لخادم الحرمين الشريفين وما تتميّز به المملكة من قيم إسلامية أصيلة جعلها دولة رائدة في مجال التنمية، ودولة مستقرة وسط براكين من التقلبات السياسية والأمنية، ودولة تعيش المستقبل، ونحن بلد منفتح على الآخر ونعيش حقبة تاريخية مميّزة بقيادة ملك واع ينظر إلى وزن المملكة المهم بما يدعم مكانتها السياسية والدينية، وحراكها الإنساني، والمملكة هي من قدّم حوار الحضارات والأديان، وهي تنطلق من قيم هذا الدين الإسلامي العظيم الذي نرفض ربطه بأي أشكال للتعصب أو الإرهاب أو غيره فهو دين الحضارة والتواصل الإنساني ودين احترام الآخر، والإسلام امتداد للأديان السماوية التي سبقته، والحضارة الإسلامية قامت على الحضارات السابقة وطوّرتها ليستفيد العالم منها وتقوم الحضارة الحديثة عليها، ولذا فإن جانبًا مهمًا في هذا المعرض هو عن الحضارة الإسلامية في المجالات العلمية المختلفة من خلال عدد كبير من القطع التي تبرز إنجازات الحضارة الإسلامية في هذا المجال». من جانبه عبر مدير متحف الارميتاج ميخائيل بيتروفسكي عن شكره وتقديره لسمو رئيس الهيئة على حضوره وافتتاحه المعرض، مؤكدًا اعتزاز متحف الارميتاج بعرض قطع أثرية فريدة ومميزة من الآثار السعودية. وأشاد بالتنوع الحضاري الذي تتميّز به المملكة، وقال: «لا يمكن دراسة الحضارة الإنسانية إلا بعد الاطلاع على تاريخ الجزيرة العربية». مؤكدًا أهمية الجزيرة العربية تاريخيًا ودورها الرائد في تشكيل حضارات العالم، واشار إلى أنه أمضى سنوات طويلة في دراسة الآثار في جنوب الجزيرة العربية انطلاقا من أهمية هذه المنطقة تاريخيًا، وهو ما يعكسه حجم وقيمة الآثار في هذه المنطقة، ولذا فقد كان متحف الارميتاج حريصًا على إقامة هذا المعرض المهم. وعن التعاون المستقبلي بين متحف الارميتاج والهيئة العامة للسياحة والآثار أكد بيتروفسكي أن المعرض هو بداية لتعاون مقبل، حيث رحبنا بطلب الأمير سلطان بن سلمان إقامة معرض للآثار الإسلامية الموجودة في متحف الارميتاج في المتحف الوطني بالرياض، ونتطلع إلى أن نوقع اتفاقية بعد عدة أشهر للقيام بالتنقيب الأثري في المملكة بالإضافة إلى التعاون في الترجمة والتدريب وغيرها من برامج التعاون. وعن اهتمام متحف الارميتاج بالتراث الإسلامي وبكونه أول المتاحف العالمية في هذا المجال، قال: «الإسلام هو الديانة الثانية في روسيا، وهناك الكثير من مقتنيات الفن الإسلامي والحضارة الإسلامية امتدت إلى هذه المنطقة، ونحن نولي اهتمامًا كبيرًا بالآثار الإسلامية ليس في الدراسة فقط ولكن أيضًا في مجال الثقافة المتحفية، وسيقام مؤتمر في يونيو المقبل نشارك فيه عن الإسلام في روسيا، وهذا المعرض السعودي هو بلا شك يعرّف الزوار والرأي العام بأهمية الثقافة الإسلامية، وأتوقع أن يحظى المعرض بإقبال كبير واهتمام من الزوار نظرًا لاهتمام الكثيرين بالحضارة الإسلامية والعربية»، مبيّنًا أن عدد زوار الارميتاج سنويًا كبير جدًا يفوق المليون ونصف زائر وأغلبهم سيزور بلا شك هذا المعرض. ونوّه بالعدد الكبير من الآثار المكتشفة حديثا في المملكة، وقال: «هناك الكثير من الآثار المجهولة عالميًا وهذا المعرض ضروري لاطلاع العالم عليها». ------------------------------------------------------------- 347 قطعة أثرية .. وفعاليات ثقافية متنوعة في المعرض يضم المعرض عددا من الفعاليات الثقافية والتي تشارك فيها مع الهيئة وزارة الثقافة والإعلام، حيث ستقام أنشطة ثقافية تشمل محاضرات عن آثار المملكة وحضاراتها، بالإضافة إلى عروض فلكلورية من مناطق المملكة وجناح للصور والأفلام الوثائقية عن المملكة. ويحوي المعرض في محطته الثالثة بمتحف الارميتاج (347) قطعة أثرية، من القطع المعروضة في المتحف الوطني في الرياض، ومتحف جامعة الملك سعود، ودارة الملك عبدالعزيز، وعدد من متاحف المملكة المختلفة، إضافة إلى قطع عثر عليها في التنقيبات الأثرية الحديثة. وتغطي قطع المعرض الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر الدولة السعودية، وقد تم إضافة (27) قطعة أثرية إلى المجموعة السابقة التي عرضت في فرنسا وأسبانيا والبالغ عددها (320) قطعة. ويعد متحف الارميتاج بروسيا المحطة الثالثة للمعرض وذلك بعد متحف اللوفر بباريس الذي اختتم فيه فعالياته في 27 سبتمبر 2010م، ومؤسسة لاكاشيا في أسبانيا التي اختتم فيها فعالياته في 20 نوفمبر الماضي.