قد يكون قدرك اليومي مثل كثيرين من سكان المدن الحديثة المزدحمة وهو أن تقضي معظم ساعات نشاطك اليومي وأنت أسير صندوق حديدي نسميه " سيّارة". وخلال هذا المشوار اليومي عليك أن تحتمل فوق زحام السيارات كثيرا من أذى الطرق القادم من مجاورة سائق شاب متهور بعد أن أضناه السهر، ناهيك عن أهمية تَعوّدك ممارسة رياضة الصبر أمام كل من لم يتعلم ضرورات الذوق العام مثل من تراه كل يوم على الطريق وهو يعابث انفه بأصبعه، وقد لا يمانع وهو يقلب ناظريه فيك متعجبا من نظراتك أن ينقل أصبعه لمهمة أخرى مثل التنقيب في كهوف أذنيه. هذه النشاطات قد تهون أمامك بمقتضى الاعتياد اليومي ، ولكن قل لي كيف يمكن أن تدرِّب أذنيك على احتمال "تفاهة" بعض مقذوفات محتوى إذاعات "الإف إم" الجديدة التي لا تستطيع التفريق بين محطة وأخرى دون النظر إلى تردد المحطة على شاشة الراديو. كنّا استبشرنا كثيرا بمقدم هذه المحطات متوقعين أن تكون رفيقة الطريق وراحة المرهق من عناء وضغوط الحياة اليومية. ولكن "خلطة" معظم هذه المحطات لا تخرج في الرياضة عن ثقافة مشجعي الدرجة الثالثة ، وفي الغناء لا تسمع إلا أصواتا تشبه زعيق طبالي ملهى قناة "غنوة" وجواريها الروميات. ونتفاءل أحيانا حينما نستمع "لبرومو" يدعو للمشاركة في برنامج حواري " توك شو" يتناول قضية ما ثم نتفاجأ وقد انتهت بنا الحال مع صوت مذيعة "مايصة" ومذيع " مهوّي" لا يفرقان في حواراتهما بين ممارسات غرف " الشات" على الإنترنت وغزل الفارغين التائهين في الأسواق عبر " البي بي" دون وعي بضرورات ومسؤولية البث الجماهيري أمام كل من عاقبه حظه بسماع حواراتهم المبتذلة شكلا ومضمونا. لا نطالب هؤلاء الهواة بتحويل برامجهم إلى قاعات محاضرات علمية، أو تقديم حوارات مركزة حول قضايا المستقبل الشائكة ففاقد الشيء لا يعطيه ولكن ما الذي يمنع مالكي هذه المحطات من بحث سُبل تلبية (حاجات) مجتمعهم لا دغدغة (شهوات) شبابه. لا أعلم قناة درست علميا سوق البرامج الجادة التي يمكن أن ترقى بالذوق وتسهم في تنمية الوعي العام بدور الإنسان في المجتمع والحياة. ما نفع الشباب والمجتمع من مذيعة تقضي ساعات الصباح والمساء وهي تقرأ علينا نكت معجبيها عبر "الجوال" ، وإن كان لها شريك في الاستديو فلك ان تتساءل عن جدوى كمية الضحك المنفلت والمفتعل المتبادل بين المذيع ورفيقته جراء زلة لسان متصل ، أو نتيجة دلالات كلمة انفلتت من مراهق وهي تحمل عبارة ذات إيحاء إباحي. هل يمكن ان تقام مشاريع محطات وميزانيات برامج تأخذ من وقتنا أجمل الساعات فقط لإيصال آهة مراهقة أو تمرير اتصال خادش للحياء قذفه مستمع بائس كل رأس ماله الفكري فراغ عقل وهوى جسد . يوجد في العالم اليوم حوالي 28693 محطة راديو "FM" مقابل حوالي 16265 محطة "AM" فهل يعلم مستثمرونا أن الإذاعة ربما تكون الوحيدة التي تسمح لمستمعها ممارسة نشاط ثان بعكس وسائل الإعلام الأخرى، وان جيل اليوم لم يعد له صلة بمصادر المجتمع المعرفية وأن محطات "إف إم" هي الفرصة الوحيدة أمام المجتمع للتواصل مع أبنائه؟ وياهل ترى لو علم المكتشف "إدوين ارمسترونق" وهو صاحب فكرة البث عبر الموجة المعدلة" FM" أن انتحاره بالقفز من نافذة منزله سنة 1954 ربما له ما يبرره بعد ان عبث العابثون باختراعه العظيم.؟ ** مسارات: قال ومضى: من حصل على (أي شيء) لا يستحقه فليستحق (كل شيء) يحصل له وقت الحساب.