ياسر الزعاترة *نقلا عن "الدستور" الأردنية الملياردير رامي مخلوف (41 عاما) يشير إليه السوريون بوصفه عنوان الفساد في البلاد (الفساد الاقتصادي بالطبع). ويبدو أن النظام السوري لم يشأ أن يبعث برسائله الإشكالية عبر واحد من رموزه الكبار، فتكفل بها صاحبنا الملياردير، لا سيما أنه كان واحدا من الشخصيات التي فُرضت عليها العقوبات الأوروبية، ما قد يتسبب بأضرار لبعض استثماراته، ونقول بعض، لأنه يركز استثماراته داخل سوريا، مع أن أمثاله لا حدود لأعمالهم. رسالة النظام عبر رامي مخلوف جاءت من خلال مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، وكانت كالتالي: «إذا لم يكن هناك استقرار داخلي هنا (في سوريا)، فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا توجد طريقة ولا يوجد أحد يضمن ما الذي سيحصل بعد إذا لا سمح الله حصل شيء لهذا النظام». وردا على سؤال إن كان يعني التهديد أم التحذير قال «لم أقل حربا. ما أقوله هو: لا تدعونا نعاني، لا تضعوا الكثير من الضغوط على الرئيس، لا تدفعوا سوريا إلى فعل شيء لا ترغب في فعله». ليس ما قاله رامي مخلوف بدعا من الكلام بالنسبة للحكام، ذلك أن جميع الأنظمة العربية تعلم تماما أن لا شيء يحرك قلب أمريكا والغرب كما تحركه مصالح الدولة العبرية في هذه المنطقة، وقد سبق لمعمر القذافي أن قال مثل هذا الكلام من أجل مساومة أمريكا والغرب، لولا أن ليبيا بعيدة عن حدود الكيان الصهيوني، مع أن واشنطن تحديدا لم تحسم إلى الآن موقفها من العقيد لاعتبارات كثيرة من بينها موقف تل أبيب. تأتي تصريحات مخلوف على خلفية الجدل الذي يندلع في الدولة العبرية حول ما يجري في سوريا، وإن كان ينطوي على بعض المخاطر عليها أم لا، وهنا بالطبع تنهض جملة من المقاربات، من دون أن نعثر على مقاربة واضحة ومحسومة تُجمع عليها الدوائر السياسية والأمنية والعسكرية، لكن بروز مخاوف إسرائيلية من قيام النظام بمغامرة ما حيال «إسرائيل» من أجل التخلص من وضعه في الداخل هي التي دفعت رامي مخلوف إلى إطلاق هذه التصريحات، مع أننا نشك كثيرا في قابلية النظام لفعل ذلك، لا سيما أن شيئا كهذا لن يدفع السوريين إلى تجاهل مطالبهم في التغيير، حتى لو أجلوها بعض الوقت تبعا تلك المغامرة. الجزء الآخر من الجدل الإسرائيلي يتعلق بالبديل المحتمل للنظام الحالي، وحيث يختلف الإسرائيليون هنا أيضا، ويميلون إلى أن النظام التالي لن يكون أفضل من النظام الحالي لجهة سياسته الخارجية، مع احتمال أن يكون أسوأ، وبالطبع لأن السوريين في مجملهم يميلون إلى المواقف القوية حيال دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن دعم التغيير في سوريا يشكل مغامرة في سائر الأحوال، وعموما يقول لسان حال الإسرائيليين إن نظاما تعودنا عليه خير من نظام مجهول الهوية قد يكون أسوأ في حال كان ديمقراطيا يعبّر عن مواقف شعبه. كل ذلك يؤكد أن النظام لم يكن مخلصا في مقاومته وممانعته، بقدر ما كان يعبر عن مصالح نخبته الحاكمة التي رأت أن كلفة المقاومة والممانعة أقل من كلفة الاستسلام كما كان يردد الرئيس السوري نفسه، الأمر الذي كنا ندركه بالطبع، من دون أن يدفعنا إلى التردد في مديح تلك المواقف قياسا بمواقف أنظمة أخرى كانت تذهب في الاتجاه الآخر، ومن أجل مصالح نخبها الحاكمة أيضا. اليوم تبدو تصريحات رامي مخلوف محرجة إلى حد كبير للتيارات التي تدافع عن النظام وتقف معه في معركته مع شعبه، وفي مقدمتها حزب الله ومن يدور في فلكه، فضلا عن جحافل من القوميين واليساريين الذين لا يستحون من دفاعهم عن قتل النظام لأبناء شعبه، فضلا عن ترديد حكاية المؤامرة الخارجية، لكأن النظام هو وحده عنوان الوطنية والقومية، بينما السوريون مجرد جحافل من العملاء والمأجورين. إنه منطق النخب الحاكمة التي تعلن استعدادها لحرق الأخضر واليابس من أجل مصلحتها بعد أن جمعت الثروة مع السلطة، وفي هذا الصدد يقول مخلوف في ذات المقابلة إن النخبة الحاكمة في سوريا قد تكاتفت أكثر بعد الأزمة (لا يريد الاعتراف بأنها ثورة مع أن كلامه يعكس ذلك)، مضيفا القول «نؤمن بأنه لا استمرارية من دون وحدة، وكل شخص منا يعرف أننا لا يمكن أن نستمر من دون أن نكون موحدين. لن نخرج ولن نترك مركبنا ونقامر. سنجلس هنا، نعتبرها معركة حتى النهاية». وفي النهاية يعود إلى الدولة العبرية ليقول للغرب «يجب أن يعلموا أننا حين نعاني، فلن نعاني وحدنا». تلك هي رسالة النظام عبر مليارديره المدلل، فهل يستمع إليها الغرب؟ ثم هل سيكون بوسعه (أي الغرب) الحيلولة بين الشعب السوري وبين نيل حريته؟ ألم يحاولوا ذلك مع نظام مبارك ففشلوا، مع أنه كان الأكثر حرصا على مصالح الكيان الصهيوني؟!.