يوسف الكويليت - الرياض السعودية بعد أن فكك القذافي مشروع مفاعله النووي، قيل إنه استوعب درس إسقاط صدام حسين، لكن عودته إلى دفاتر مكافحة أميته لم توسع درسه بأن يستوعب أنه لا يمكن قبول معادلة «يا هو يا موت الشعب» واستيراد أفارقة وأقليات أخرى يحكمها بكتابه الأخضر وجماهيريته العظمى.. وتحت الحصار النفسي الهائل بدأ القذافي يهدد العالم وقلبه مرة بالتهديد بجلب القاعدة، ومرة أخرى بفضح من تعامل معهم من رؤساء أوروبا بكشف أوراقهم، لتأتي بعد ذلك ممارسته لغريزة التدمير بذبح شعبه، وضربه بالطائرات وإرسال المرتزقة والتهديد بالأسلحة الكيماوية، ثم طرْح ما سبق أن قرره صدام حسين بتوزيع النفط مجاناً ليقول القذافي إنه سيعقد اتفاقات مع الدول المعادية لأوروبا وأمريكا، بينما هو يعلم أن منشآته معطلة بسبب هروب العاملين والخبراء من صينيين وغيرهم.. ومثلما أجمع العالم على ضرب صدام حسين واحتلال العراق وخاصة الدول النافذة التي تملك تمرير القرارات وتطبيقها، تم إجماع آخر بغلّ يد القذافي عن ذبح شعبه، وبدأت الأسلحة الأمريكية والأوروبية تدمر قواعده، وهو خيار صادقت عليه الجامعة العربية ومجلس التعاون ودول أفريقية مع أغلبية أعضاء مجلس الأمن، بمعنى أن القذافي هو من اختار المواجهة غير المتكافئة، حتى إن صورته (الكاريتيرية) التي أضحكت العالم، كشفت عن أن عقول بعض الزعامات غير سوية، وتتصرف بأحكام مستشفيات المجانين، وإلا كيف يصل شخص مثل القذافي بأوهامه أنه نقطة حركة التاريخ والحياة والموت لبلد يسكنه الملايين ومنذ أزمنة طويلة.. ومع افتراض أن القذافي هرب لبلد صديق يؤويه، فالدعاوى التي سيرفعها شعبه عليه سوف تطارده في أي مكان، وعليه أن يعتبر من مآلات العديد من الزعماء الذين طاولتهم الملاحقات بسبب دكتاتورياتهم الباطشة، والإشكال الأكبر أن ما جرى في المنطقة من مظالم وتمادٍ في السلب والنهب وقهر الحريات وعدم تفضيل العدالة، وتجاهل دورة الزمن بعولمة الحقوق وصراع جيل جديد في أفكاره وطروحاته وآماله، فوّت الفرص على من حاولوا الترقيع بعد زوال شمسهم ولعل مَن لا (يقرأ الحقيقة إلا في صفحة الوفيات) كما يقول نجيب محفوظ، فعليه أن يعرف أن الوفيات لمن يقتلون باسم الوعد الإلهي الممنوح للزعيم تسقطه حقيقة الواقع وهو ما جرى في أكثر من دولة عربية لم تحاول خلق المبادرات بالإصلاحات الجذرية، وحتى لو جاء صنف جديد من الحكم بأدوات مختلفة ولكنها قاهرة، فإن حكم الشارع سيكون السلطة العليا، وهي مرحلة أنهت كل عصور الدكتاتوريات، وتكرارها بأي صفة ولون.. القذافي حكَم من خلال أساطير وأوهام حاصرته، وزعم أنها رسالته للعالم، وبتجاهله شعبه وحقوقه أدرك أن محيط اللهب بدأ يحاصره، وهنا أخذ بمبدأ الإبادة الشاملة ليكون البديل ولتسقط كل التعليلات، والغريب أن الأبناء في تصريحاتهم وطلعاتهم لا يقلون جنوناً وبشاعة عن الأب وكأنهم مخلوقات من أرومات فلكية، غير مدركين أن أي حكم إنما يدار بالعقل لا بالجنون..