انباؤكم - عبدالله بن عبدالعزيز العزاز كثيراً ما يتسرع بعض الكتاب أو المثقفين أو نقّادُ ما يدور في الساحة ، فيصفون بعض الممارسات بغير أوصافها ، و قد تكون هذه الممارسات مشروعة و مأمور بها .. ( الوصاية ) ذلك المصطلح المتكرر في وسائل الإعلام حاليًا و الذي يُطرح في أحايين كثيراً على سبيل التنفير و التشويه و محاولة تحجير و تضييق لشعيرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، التي جعلها الله من خصائص هذه الأمة و من مؤهلات التفضيل لها على مستوى الأمم قاطبة كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه }. و قد كتب الله تعالى اللعنة على أمة من الأمم بسبب تخليها عن هذه الشعيرة لأنها تبليغ عن الله و حفظ للناموس الإلهي أن يتزعزع أو يتخلخل ، فقال تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة : 78-79] . اُمر بهذه الشعيرة إقامة لدين الله ، و حفظًا للحقوق و رعاية للمقاصد و تحصينًا للمجتمع الإسلامي و إبقاء تماسكه و رسوخه و استقراره . الناس - كل الناس- عبيد لله ، و الله أمرهم بأمور و نهاهم عن أمور ، فليس للعبيد أن يتمردوا على سيدهم الذي أعطاهم و منحهم بسخاء وهو سيدنا سبحانه صاحب الجود و الكرم و المنح و العطايا .. إن الذي أمرنا بإقامة حكمه و إنكار ما يُصادم حكمه هو ملك الملوك و سيد الأسياد و رب الأرباب ، هو الذي يعلم سبحانه ما يصلح لنا و ما لا يصلح ، و ما يمكن أن ينفعنا أو يضرنا ، و كل هذا بينه لنا في كتابه العزيز و دعانا إلى إقامته ، و الأخذ على يد من يحول بين الناس و بين حكم الله تعالى في هذه الأرض .. إنها ليست وصاية التسلط كما يقولون ، بل هي وصايةٌ تأخذنا إلى عالم الذل و الانكسار لله تعالى ، و العبودية و الخضوع و هذا أشرف مقام يمكن أن يتبوأه الإنسان ، لأن الإسلام هو ( الاستسلام ) لله رب العالمين و الانقياد له ، و دين الله تعالى جملة واحدة لا يمكن تجزئتها و تقطيعها ، بل يجب إقامتها كاملة كما هي ، تعبداً لله تعالى و طاعة له .. كل إنسان يجب أن يحمد هذا المبدأ و يحييه في ذاته ، و يجعله قائمًا ، في نفسه ظاهراً في قوله و في سلوكه .. فيأمر بالمعروف بالمعروف ، و ينهى عن المنكر بالمعروف كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى . فينهى عن كل منكر أيًا كان هذا المنكر ، و من أي شخص حدث ، فالمنكرات في داخل الصف الإسلامي أمراض لا بد أن يتم تطهيرها بأي شكل لتُكتب الحياة لجسد الأمة . النهي عن المنكر له أدبياته و فقهه ، و قد يتعين نوع منه على أشخاص دون آخرين ، أو تتعين طرق منه دون طرق .. إلا أن الذي يجب أن يكون حاضراً في نفس المسلم أن الله أوجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فتتسارع الأمة إلى الاحتساب بفقه و بصيرة مراعية في ذلك الأساليب الشرعية و القواعد المرعية ، و مقدرة للظروف و الأحوال ، فالاحتساب يتفاوت في سبله و طرائقه حسب الأشخاص و الظروف و الأحوال . إقامة لأمر الله و دفعا لأسباب الهلاك ، كالمنكرات التي تطال الفكر فتغيره إلى الكفر ، أو التي تطرأ على السلوك فتمسخ الهويةالإسلامية و تورد في الهاوية ، أو المنكرات التي تتوارى عن الميادين داخل أروقة المؤسسات الحكومية أو غيرها ، كلها منكرات يجب إنكارها و البراءة منها . تُشَن اليوم حملات من قبل البعض حول هذه الشعيرة تُخالف ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون الغيورون على دينهم و أوطانهم ، و ماتلكم إلا من جملة ما طال كل المصلحين في طليعتهم صفوة خلق الله عليهم الصلاة و السلام ، حيث قاموا بدفع موجبات السخط و رد طرق الهلاك فتناوشتهم ألسنة و أيادي السوء . أختم بكلام للأستاذ الدكتور عبدالكريم بكار حيث يقول : "وقد جرت سنة الله في الابتلاء أن تلقى هذه الفئة الطيبة الخيرة المُحَارَبة دائماً وتلقى الأذية والعنت وما ذلك إلا لأنها تسير في الاتجاه المضاد لأهل الشهوات والأهواء الذين يمكن أن نسميهم ب ( المختزلة ) حيث يكثفون هموم البشرية كلها في هم واحد هو همهم ، ويتجاوزون رغبات الخلق ومصالحهم مهما عظمت إلى رغباتهم ومصالحهم هم ، وعلى كل حال فإن الذي يظن أنه باستطاعته أن يسير في دروب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقوماً للمعوج ومحارباً للأهواء والشهوات وناصراً للمظلوم ثم لا يلحقه شيء مما لحق بهم فهو واهم في ذلك وإلى هذا أشار لقمان وهو يعظ ابنه حين قال : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [لقمان : 17] فقد أشعر ابنه بما يلحقه من الأذية إذا هو قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولكن نظراً للأخطار التي تهدد الأمة بخلوِّها من هذه الشريحة المباركة التي تعد قلبها النابض وبصيرتها النافذة فإن الله تعالى قرن محاربة هذه الفئة بالكفر به وقتل رسله حيث قال جلَّ وعلا : } إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ{ [آل عمران : 21-22] ". إنها عبادة مقدسة بأمر من الله ، و ليست وصاية تلسط عنجهي مزاجي يُستنتج من عقول البشر .. الرسالة