صدرت لي ثلاث روايات، وستصدر قريبا الرابعة، ثم الخامسة، ولن أقول أني بلغت مستوى نصف كاتب. ورغم بدائيتي تلك في عالم القلم والحبر والورقة البيضاء، فقد كنت أعتقد بأحقيتي في المشاركة في الحراك الثقافي لمجتمعي، وهو ما لم يحدث مطلقا. غمرني تقدير كبير، من مصر وحتى مدريد ولندن، لكن ناديا أدبيا صغيرا في وطني، لم يجرؤ أن يضع ولو رواية واحدة لي على أحد أرففه. فقد كان خائفا ومترددا كعصفور يهم بمغادرة عشه للمرة الأولى. في كل حفل توقيع، وفي كل معرض دولي عربي وغير عربي، كنت ألتقي أعضاء كثرا من النوادي الأدبية السعودية. بعضهم أصحاب قرار وشأن. جميعهم يسألون: لِم أنت بعيد عن الساحة الأدبية السعودية؟ هيا تعال وأقم ندوة هنا أو هناك. أبتسم مزهوا، وأتصل بهم، فلا مجيب، ومن يجيب يعتذر. ثم يعودون ويسألون: لِم أنت بعيد؟ اليوم في معرض الرياض للكتاب تتنافس كل دور النشر العربية والعالمية لإثبات وجودها. هي تعلم يقينا أن الكاتب السعودي هو السلعة الأولى في المعرض. مع ذلك فكثير من الكتاب السعوديين غائبون. مجهولون ومتجاهلون. معارض الكتب في العالم لا تهدف إلى الربح المادي، على الأقل بالنسبة للدول المضيفة، حيث هدفها الأول هو إظهار كتابها وأدبائها ومثقفيها والتباهي بهم.. لكن معرض الرياض يفضل أن يتباهي باستضافة العشرات من أقصى بقاع الأرض، على أن يستضيف ولو ندوة لكاتب سعودي لأنه كتب شيئا لم يعجب البعض. معرض الكتاب في الرياض قاطع كتابا للرواية السعودية منذ أعوام، وفتح صدره لآخرين لم يسمع أحد بهم ربما. لقد خسر جنوده، وهم خسروه. كلانا خاسر إذا. ولعلي الخاسر الأكبر. ليس لأن معرض الرياض هو الأكثر شهرة في العالم العربي، بل لأنه وطني، وكتابي وجمهوري. يحق لي أن ابتعد عنه بقدر ما ابتعد هو عني. لكن كيف لي أن ابتعد عن وطن هو الكتاب، والكتاب يسكنني؟ كيف لي أن أبتعد عن جمهور يريد أن يقرأ كل شيء؟ كيف لكاتب أن يبتعد عن مجتمع عطش لكلمة جديدة؟ مجتمع مل نمطا تقليديا؟ كيف للكاتب أن يصبح نكرة وهو يحاول أن يكون ولو حرف علة أو تعريف؟ كل هؤلاء المتحدثين عن الأدب يجب أن يلزموا الصمت، فلست أرى تقدما، ولو نصف خطوة نحو الإبداع، ولو نصف قدم نحو الثقافة الحقيقية.