لو كتب الله ليوسف الأحمد أن يعيش في قرطبة أثناء عصر دولة الموحدين لسارع كي ينال شرف إشعال أول عود ثقاب يحرق به كتب ابن رشد وقبله كتب فقهاء المالكية، ثم راح بعد ذلك يرقص حول النار فرحا برائحة الورق وهو يحترق. ولو قدر ليوسف الأحمد أن يكون جنديا في جيش هولاكو خلال غزو المغول لبغداد لحرص على أن يقفز من على صهوة حصانه كي يحمل بين يديه نفائس الكتب ويلقي بها في نهر دجلة ثم يرمي بعد ذلك بنفسه في النهر لكي يغسل بالماء الممزوج بالحبر جسده الذي ما مسه الماء مذ غادر منغوليا حتى بلغ العراق. ولو كتب ليوسف الأحمد أن يكون مفتشا في محاكم التفتيش في القرون الوسطى لسعى ما أمكنه السعي كي تناط به الغزوات التي كانت تشنها محاكم التفتيش على المكتبات آنذاك ولنصب أمام كل مكتبة مشنقة واحتسب من أيام سعادته تلك الأيام التي متع بها نظره بمشهد رقاب المثقفين آنذاك معلقة في المشانق. غير أن مأساة يوسف الأحمد أنه ولد متأخرا جدا فوجد نفسه في عصر لا توقد فيه النار في الساحات لحرق الكتب ولا تعلق فيه المشانق لقتل المثقفين ولا يلقي فيه الغزاة بالكتب في مياه الأنهار، ولأن يوسف الأحمد لا تربطه بالعصر الذي يعيش فيه أي رابطة ولا يملك من البصر والبصيرة ما يمكن أن يرشده إلى الفرق بين عصر التنوير وعصور البربرية فإن نفسه لا تنفك تذهب حسرات حين يشعر أن عمره يوشك أن ينقضي ولم تسعده الأيام برؤية كتاب يحترق أو كتاب يغرق أو مثقف معلق في حبل المشنقة. لذلك كله فليس لنا حين نسمع يوسف الأحمد يتحدث عن معرض الكتاب محرضا في تسجيل على الإنترنت لا تصدر محتوياته إلا عن فكر تكفيري إرهابي لا يتورع عن قذف الناس بالإلحاد والكفر إلا أن نسأل الله العافية ونشكره على أن عافانا مما ابتلاه به وأن نلتمس له العذر ما دام قد ولد في غير عصره ولم يتسن له أن يكون جنديا في جيش المغول أو عضوا في محاكم التفتيش.