فوجئت المديرة في إحدى المدارس السعودية ب35 طالبة يقفن أمام مكتبها، يرفعن شعاراً يقول: «الطالبات يردن إسقاط المديرة». وبالمناسبة هذا الخبر لقي قبولاً وتداولته معظم الصحف الخارجية. فهل جاء هذا التداول من باب أنه فعل ظريف؟ الطالبات اللاتي تظاهرن كن في العاشرة من أعمارهن بالتأكيد، لأنهن في الصف الخامس الابتدائي، فهل جاء تظاهرهن واحتجاجهن من باب موضة التظاهرات المشتعلة في البلاد العربية؟ أم أنها عدوى دخلت التاريخ الاجتماعي لطالبات المدارس، وأصبح هذا الفعل من بدهيات الفعل الإنساني، وأصبحت جملة «الشعب يريد إسقاط النظام» الكلمة السحرية التي تؤول إلى نجاح الاحتجاج؟ الشعب العربي كله عاش هذه الثورات وكأنها تحدث في صالون بيته، فمنذ شهرين ونحن نسمع المحللين السياسيين يقرأون حقوق الشعب، ومظالم الشعب، وأسباب الثورات. نسمع الثائرين، المثقفين منهم، والبسطاء. فهل تظنون أن بالإمكان أن يخرج الشعب العربي من كل هذا كما دخل فيه أول مرة؟ الأطفال عاشوا أياماً طويلة يعانون من سيطرة الكبار على قنواتهم يشاهدون فاغرين أفواههم أمام ما يحدث. أنا متأكدة أن كثيراً من القواعد التربوية قد سقطت في تلك الأيام، فالأطفال لم يعودوا هم من يضع قواعد المشاهدة كما كانوا سابقاً، ولم تعد المشاهد الدامية محظورة، فقد أصبحت واقعاً معاشاً، ولم تعد مسلسلاً أو فيلماً يمكن التحكم في عرضه أو تكذيبه، أو اعتبارها مشاهد تخدش الأمن والحس الإنساني، بل أصبحت جزءاً منه. قريبتي الصغيرة، أثناء أحداث ثورة مصر، أخذت تهدد والديها بأنها ستخرج للشارع تحمل شعار «أرحل... أريد أن أشاهد التفلزيون». هؤلاء الصغيرات اللاتي عشن هذه الثورات ونتائجها، سقوط حكام استأثروا بالحكم عقوداً طويلة، وحرموا شعوبهم من حقوقهم وحريتهم، وفرص العيش الكريمة، ما مصيرهن؟ وكيف سيفكرن في السنوات المقبلة؟ كيف سيفهمن نظريات الطاعة والقبول التي كبر عليها جيل الأمهات والآباء، وليس الحوار والإصلاح؟ هؤلاء الصغيرات اللاتي يشاهدن الفضائيات، ويدخلن يومياً عالم الفضاء، والشبكات المفتوحة، ماذا أعد لهن في المستقبل بعد أن تسربت لمسامعهن شعارات ساخنة تطالب بالتغيير وهن في العاشرة، جعلت بعضهن يتظاهر ويطالب بإسقاط المديرة؟ أهالينا يقولون دائماً وهم يشاهدون أمامهم جيلاً من الأبناء لا يشبههم، ونوعاً من التفكيرلا يتطابق مع تفكيرهم: «جيل يخوِّف». هذا الجيل الذي يخوف، خيب ظن المصريين الذين زعموا أنه جيل متخاذل وكسول وعديم المسؤولية، لم يُخفِ نفسه ولا أهله، بل أخاف الطغيان وقاد احتجاجات المطالبات والتغيير، فخرجت سيدة كبيرة تبحث عنهم في ميدان التحرير، وتقول: «جئت أقبل أقدامهم وأشكرهم». هذا الجيل الشاب والصغير يسيطر على التركيبة السكانية في مجتمعاتنا العربية ، وهو في الوقت نفسه ثروتها الحقيقية، فهل من العدل أن نهمل تعليمه، وتوفير فرص عمله، وتثقيفه، وتدريبه ومنحه الثقة؟ من المستفيد من تكديس هذه الطاقات الشابة من دون تعليم متطور، ومن دون فرص عمل واعدة، ومن دون مشاركة وطنية سياسية واجتماعية واقتصادية؟ إننا حين نتجاهله، نشله ونجره وراءنا، كمن يجر أعضاء من جسده توقفت عن العمل.