د. عبدالرحمن الطريري - الاقتصادية السعودية إننا أفرادا وجماعات ومؤسسات وحكومات تمر علينا خبرات كثيرة ومواقف يمكن الاستفادة منها, وتوظيفها لما فيه المصلحة والمنفعة, لكن لسوء الحظ أو للحماقة نفقد الاستفادة منها بالشكل الصحيح, وقد لا نفهم الدرس إلا بعد وقت متأخر. كم من الأفراد تعرفنا عليهم وفيهم الطيب وفيهم السيئ, الطيب نحرم من صداقته لأننا لم تكن لنا الدراية الكافية به وبأخلاقه وسلوكياته وقيمه, لذا نكون قد خسرنا مثل هذا الفرد، وفي الوقت نفسه فرد آخر قد تربطنا به صداقة رغم أنه سيئ ويفترض ألا تربطنا به صداقة أو علاقة، لكن نستمر في صداقته رغم ما قد نلاحظه عليه من سوء في الأخلاق والسلوك، ولا نتنبه ولا نأخذ الدرس إلا بعد وقوع الفأس في الرأس, كما يقول المثل. ولقد نبهنا الله سبحانه وتعالى في القرآن إلى أهمية أخذ الدروس والعبر من الأمم الأخرى كما في حالة أقوام عاد وفرعون وثمود وبقية الأمم الأخرى، التي بغت واستمرت في غيها حتى أخذها الله أخذ عزيز مقتدر, وأبادها ومسحها من على وجه البسيطة، ولم يكن ذكر ما حدث لهذه الأمم استعراضا تاريخيا فقط, بل لا بد أن يكون سلوكاً وفعلاً على أرض الواقع وليس ادعاء كما يحدث في كثير من المجتمعات التي أغفلت قانون استخلاص العبرة ولم توظفه في خططها ومشاريعها ومجالات الحياة كافة. لو استعرض الفرد منا تاريخ حياته لوجد فيها كثيرا من المواقف والخبرات التي قد تكون ضاعت هباءً دون أن نستفيد منها, والغريب في الأمر أن ذاكرتنا قصيرة لا تلبث أن تنسى ما مر بها, وكأن شيئاً لم يحدث على الإطلاق, ولذا تتكرر الأخطاء ونستمر على الحالة نفسها حتى أن الوضع مع الوقت يتدهور. خلال هذه الأيام تشهد المنطقة العربية في بعض الدول كما في تونس ومصر واليمن والسودان كثيرا من الأحداث والتحولات, وما من شك أن هذه الأحداث والتحولات ليست وليدة الوقت الراهن, بل لها جذورها التي تمتد إلى سنوات وعقود من الممارسات التي أوجدت بيئة خصبة لهذه الأحداث, رغم أن الدول التي تحدث فيها هذه التحولات كان بإمكانها الحيلولة دون وقوعها، لكن سوء قراءة الأحداث أو عدم الرغبة في حسن القراءة للأحداث بالشكل المناسب أو الخضوع لحالة الجشع والأنانية المفرطة، أفرزت هذا الواقع الذي تدهورت فيه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. التغيرات التي حدثت في تونس سبقتها سنوات من الاستبداد والقمع والأوضاع الاقتصادية المتردية, وما حملته الفضائيات من أوضاع مزرية في مدن وبلدات تونسية خير شاهد على سوء الإدارة، وعدم السماع للرأي الآخر الذي كان ينبه إلى الأوضاع المعيشية والخدمية ويدعو إلى المشاركة السياسية, ولعل من مساوئ المرحلة الفائتة في تونس ظهور مصطلح تجفيف المنابع, الذي كان للنظام التونسي السابق شرف طرحه وتنفيذه في الميدان داخل المدارس والمساجد ووسائل الإعلام وقنوات الثقافة كافة, وكذلك المجالات الاقتصادية والمعاشية للناس, التي حولت الناس إلى فقر مدقع وبؤس لا حدود له، رغم أن البلد ينعم بالخيرات التي تغني أهله وتخرجهم من دائرة الفقر الذي ضرس بأنيابه خلال هذه العقود. في أدبيات علم النفس والتربية الخاصة يوجد ما يسمى صعوبات التعلم, وصعوبات التعلم متنوعة منها ما هو متعلق بالقراءة, ومنها ما هو متعلق بالكتابة, وصعوبات تعلم في الرياضيات وغيرها, وقد ثبتت معاناة بعض الطلاب من هذه الصعوبات, وأوجدت وزارات التربية والتعليم برامج تربية وتدريب لمن يعانون صعوبات تعلم, لكن في ظني أن الميدان السياسي توجد فيه صعوبات تعلم ومزمنة في بعض الأحيان, خاصة حين يكون القائد يحكم لسنوات, ويمر بخبرات وتجارب ومواقف، لكنه مع ذلك لا يحرك ساكناً ولا يغير شيئاً في واقع الحال. صعوبات التعلم السياسية قد لا يكون بالإمكان معالجتها لأن من يعانونها هم القادة, وفي أيديهم كل الصلاحيات, كما أنهم يصرون على صحة سياستهم والإجراءات التي يتخذونها في الميدان, ولو أن ناصحاً قدم النصح والمشورة لشنعوا به ووصفوه بأقذع الأوصاف, وحاربوه في رزقه ومعاشه, وضيقوا عليه في حريته ونبذوه حتى يكون طريداً لا يجد مكاناً يؤويه, ولذا فمثل هذه الحالات يصعب, وربما يستحيل علاج صعوبات التعلم التي لديها, ولا غرابة أن نرى ما نراه من تحركات اجتماعية تصل إلى حد الثورات.