أحمد بن راشد بن سعيّد - نقلا عن السعوديون توجه التونسيون أمس إلى صلاة الجمعة من دون خوف من أن يكلفهم هذا وظائفهم أو حرياتهم، وتحررت خطب أول جمعة بعد رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من الرقابة والتوجيه المسبقين، وخلت من ذكر اسمه، وهي المرة الأولى منذ الإطاحة ببن علي التي يصلي التونسيون فيها الجمعة من دون خوف من الشرطة السرية التي كانت تتسلل إلى المساجد، وتكتب تقارير أمنية عن أولئك الذين كان يبدو عليهم الخشوع في الصلاة، أو يظهرون حرصاً على أدائها بانتظام. نالت المرأة التونسية حريتها المسلوبة، وأصبح بوسعها ارتداء الحجاب، بعد أن كان جريمة يعاقب عليها "القانون، وبعد أن كانت المحجبة تجبر على توقيع تتعهد فيه بالتخلي عن حجابها. كما أصبح بوسع الرجل أن يعفي لحيته بعد أن كان مظهر اللحية سبباً للمطاردة والاعتقال. توافد التونسيون أمس الجمعة على المساجد للصلاة ومعظمهم، كما تشير وكالة رويترز، يرتدون سترات وسراويل جينز. والتقت الوكالة بمواطن تونسي اسمه عبد القوي (59 عاماً) أمام مسجد القدس في العاصمة تونس، ونقلت عنه قوله: "لم نكن نقدر على الصلاة بحرية من قبل". إذن تنفس التونسيون الصعداء بعد عقود من انتهاك الحقوق ومصادرة الحريات وتطبيق شكل متطرف من العلمانية في البلاد بدأ في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي أغلق المحاكم الشرعية، وسن قوانين علمانية للأحوال الشخصية. ثم جاء بن علي ليحرم المحجبات من التعلم والعمل، ويطاردهن ويعتقلهن. وعندما شنت أميركها حربها العالمية على ما يوصف بالإرهاب، انخرط بن علي في الجلبة مبادراً إلى عرض خدماته وشرح "تجربته" في مكافحة "الأصولية" وما يعرف ب "تجفيف المنابع". وكان عدد من المحللين والكتاب السياسيين في الصحافة العربية يشيدون بتجربة بن علي في تحويل تونس إلى دولة حديثة مستقرة متحررة من شبح التطرف الديني الذي قيل إنه يعصف بجارتها الجزلئر. وبالطبع، لم نكن نسمع بإدانات أميركية لانتهاك الحريات الدينية الأساسية للمواطن التونسي، ولا حقه في التعلم والعمل بعيداً عن التمييز والتصنيف والضغوط، في الوقت الذي كانت فيه منظمات حقوقية دولية تتحدث عن خنق حرية التعبير في تونس، وعن دكتاتورية مقنعة بستار الحداثة ومكافحة الإرهاب. وكعادة الأصنام إذا هوت، وكعادة الأنظمة إذا سقطت وتكشفت سوءاتها وخطاياها، ها هي الأنباء تكشف لنا كل يوم مزيداً من حقيقة نظام بن علي، واستبداده، وسرقته للشعب، واستغلاله مناخ "الحرب على الإرهاب" لتنفيذ أجندة غربية وإسرائيلية تقضي بلجم المعارضة، وتدجين الشعب، وصرفه عن قيمه الدينية وجذوره الثقافية. وكالعادة أيضاً، ها نحن نرى أن ربع قرن من تغييب التونسيين عن دينهم، والجهد المنظم "لفرنستهم" أو "أمركتهم" أو ربما "صهينتهم" تمنى بفشل ذريع، وتتهاوى بشكل دراماتيكي "إنجازات" بن علي والتي لم تكن سوى تشجيع الرذيلة ونشر الفساد الأخلاقي باسم السياحة وجذب الاستثمار. في أماكن كثيرة من تونس اليوم يطرد البغايا وتغلق المواخير ويهرع الناس إلى بيوت الله، كما حصل في مدينة الكاف الحدودية، والتي نشرت "السعوديون" خبر تحررها من علب الليل وبناته. رحل بن علي، وبقيت تونس بشعبها الحر المنتمي إلى أمته، المتعطش لحريته وحقه في الحياة http://www.saudiyoun.com/