محمد عبدالله الهويمل - الجزيرة السعودية الحكمة هي أن تصف الأشياء كما هي, والدكتور الغذامي يصف المتحول السعودي كما هو. وهل نحن بحاجة إلى غير حواسنا المجردة لنصف الأشياء كما هي فنكون من الحكماء. يقيم د. الغذامي محاضرة في جامعة الملك سعود ويصف اللبرالية كما هي فتسود وجوه وتبيض وجوه ويطوف في جوانب مفاهيمية وتاريخية وتجذيرية ليحاصر اللبرالية السعودية ويضعها في زاويتها المنبوذة عن السياق الإصلاحي والنظري. المحاضرة لم تكن إلا ردة فعل لتراكمات من التناقضات والمراوغات والاستبدادات والانتهازيات أنجزتها اللبرالية لمجتمعها الصاعد نحو التنمية الفاعلة لا المفتعلة. والمفاجأة تحتشد إزاء عدة علامات استفهام تتجه إلى أن الغذامي مصنف أنه مثقف صامت لا يتحدث دون طائل أو أنه مناصر خفي أو جندي سري للبراليين وداعم لوجستي, وسيظهر إذا بدت بوادر التفوق اللبرالي اجتماعياً أو أنه تاب وحسنت توبته وانتظم في سلك المحافظين أو أن الانتفاضة برمتها معزوة لأسباب شخصية مصالحية بحتة لا صلة لها بالفكر أو الكتابة والإخلاص لهما. وحقيقة الأمر أن الغذامي خارج الاحتمالات السالفة. فهو لم يكن صامتاً ولا لبرالياً خفياً ولا متحولاً ولا مصلحياً. وللإمعان في وصفه يتعين علينا أن نحرر الحالة الطقوسية للغذامي التي تشي بشخصية تمثل حالة ونمط خاص من التعاطي مع الأشياء عماده الحساسية الجمالية المفرطة في تفكيك الآخر وتصنيفه بمنأى عن الرقيب الإيديلوجي أي أنه ابن النظرية يدور مع علتها وجوداً وعدماً بدءاً بالخطيئة والتفكير وحمزة شحاتة واستنطاق دلالاته باتجاه اكتمال النظرية مروراً بالنص وتفكيكه وانتصافاً بالمرأة والوصف الفوتوغرافي لغيابها تاريخياً والولوج الصريح أخيراً إلى الكيان المجتمعي بأكمله بعيداً عن الفرد والجنس في (النقد الثقافي) والشعرنة والتخصص نحو الحالة الحداثية وملابساتها في (حكاية الحداثة) التي كانت إرهاصاً خطيراً باتجاه نقلة ثقافية آخذة في تهميش اللاعب الثقافي في صياغة خيارات المجتمع في (ثقافة الصورة) والهجوم على محضن اللبرالية وصانع مركزيتها في (القبيلة والقبائلية).. إذن هذا التدرخ الناعم والإرهاصات النامية نمو الإنسان تحيل إلى ارتباط الغذامي عضوياً برحم النظرية والحالة التأملية المحمومة التي تضرب بخيمتها على فعالية التفكير والاستنتاج لديه فلا طفرات غبية حادة تستبد بمفاصل مشروعه حتى نتهمه بأي تهمة حمقاء على الرغم من بروز ثغرات في جميع مراحل مشرعه يتخطاها الغذامي بصمت دون أن يفاخر بنجاح أو يخجل من فشل. وهذه ميزة تنم عن ذكاء في التجاهل قد يفسر بالبر بالنظرية، وأنا بوصفي متابعاً للدكتور الغذامي لم أقف على اعتراف أو تنويه إلى أي خطأ ولو من اللمم وقع فيه طيلة مشواره في تحليل النص والثقافة ومحصلة ما أذهب إليه أن شخصه يتحرك داخل التنظير ومعطياته حد الغيبوبة. وعليه فالذوبان داخل التحليل العميق يعطل الشعارات تجاه أو ضد، ويقوض من الحماس الأيديولوجي لتعذر وجود طاقة مضاعفة تستوعب الإخلاص للنظرية والحزب لذا فالغذامي لم ينشط أو يقد مشروعاً إصلاحياً بحسب تصريحه وبحسب حضوره في الساحة أي أنه خارج المؤسسة اللبرالية بعد أن ورثت خطاب ومشروع الحداثة المعدلة تجاه فعالية حركية أكثر نحو المجتمع. وما دفع الغذامي إلى مزيد من الحذر إزاء هذا الخطاب الآخذ في الاندماج غير النظري والمكتفي بالحالة الحزبية المؤسساتية الآيلة إلى أخطاء أخلاقية تجلت في بدايتها وما سماها الغذامي ب(الموشومة). ولعل تجربة الحداثة التي لم يحدد الغذامي موشوميتها كانت درساً مهماً وعاه الغذامي ابن النظرية وابن النص ومارس قياساً سهلاً دفع به إلى المراقبة عن بعد و تحديد الممكنات. واللافت أن جنود الحداثة اتجهوا إلى خندق اللبرالية فأدرك الخطر أكثر من جنود واجه الغذامي الكثير منهم في (حكاية الحداثة) وأن استنساخ الأخلاقيات السلبية والافتراض الأقرب مع المتعاملين مع النص الصغير إلى النص الكبير وعليه فالسلبيات ستكبر مع الكبير وتحقق الافتراض فبرزت الكوارث من هذا الخطاب من انتهازية إلى كذب إلى إقصاء إلى عدائية نووية تجاه ثقافة نامية وقابلة للتغيير الإيجابي دون صخب أو نطح لثوابت, والذي أشار إليه الغذامي في أن (المجتمع السعودي لا يحتاج إلى وقت للصلاح) وبالتالي لا يحتاج للمشاغبين. وأنتهي إلى أن من ابيضت وجوههم من موقف الغذامي لم يفتشوا أو يعوا خلفياته، وتعاملوا معه على أنه إشهار إسلام وقوبل بالتهليل المدوي في حين أن موقفه لم يكن مفاجئاً بل سبق بتضاريس من الإرهاصات تلقاها الإسلاميون بحفاوة وترحيب يدفع بموقعهم من مربع المدافع إلى المهاجم الذي حرموا منه منذ 11 سبتمبر والقصف اللبرالي العشوائي متواصل ضدهم لم يمنحهم فرصة لتوجيه تهمة للبرالي ولن يلبثوا أن يعودوا إلى مربعهم الأول لاعتمادهم على آحاد الفرص وافتقارهم إلى منصة قصف إعلامية سيما أن الغذامي بوصفه فرصة من فرص الدهر قد لا تتكرر قد يبدع موقفاً عكسياً ضد التيار المحافظ لارتباطه كما ذكرت بالنظرية وليس مجنداً لها وأطروحاته خادمة لها وما انتفاضته الأخيرة إلا حماية للقيم اللبرالية وغيرته على مسيرتها وفاعليتها وبذل صادق لإرساء مفاهيمها في مجتمع لا وجود للمحافظين بوجودها.