وصلني مقال للشيخ عبدالرحمن البراك عنوانه "شريعة الجهاد في الإسلام لا تنسخها المواثيق الدولية" عاد فيه لتقرير الجنون الذي يبثه البعض في مجتمعاتنا بدون رادع ولا حسيب. يقرر البراك أن العهود بيننا وبين غير المسلمين ثلاثة أقسام 1- عهد مؤقت بمدة فيجب إتمامه إلى مدته 2- عهد مطلق لم يقيد بمدة، لا يجوز نقضه إلا بعد نبذ العهد إليهم (أي إعلان الحرب قبله) 3- عهد مؤبد لا يجوز فسخه وهو ما يعطى للكفار في مقابل بذلهم الجزية. خلاصة كلامه، أن الواجب علينا كمسلمين، هو أن ننفض البيرق (العلم) وأن نخرج غزاة نقاتل الدول غير المسلمة، فنسل سيوفنا ونغرقها بالدم حتى تخضع لنا الصين وتدفع لنا الحكومة الأمريكية الجزية عن يد وهم صاغرون، كما أن المقال تضمن "ضرورة الاسترقاق"، أي أنه لابد أن نعود بعد تلك الرحلة المثيرة بكثير من نساء بني الأصفر الشقراوات ذوات العيون الزرق (الفرنسيات والإيطاليات ربما) وذلك للاستمتاع بهن ثم بيعهن في سوق النخاسة الذي تجب إعادته لأن إلغاءه محاربة للقرآن! هذا فكر مجنون، وليت أن أصحابه عندهم مقدار من التناغم واحترام الذات، بحيث يطبقون هذه الفتاوى على أنفسهم. إنهم لا يقاتلون أحداً. إنهم فقط يلقون بها في طريق شاب (نشيط متعاف) تاب من تعاطي المخدرات ويشعر بالرغبة في التطهر ولم يجد من يقول له إن رحمة الله واسعة، فيذهب وينتحر في إحدى بلاد الله تاركاً الحرقة واللوعة في كبد والدته. وما أطولك يا ليل وما أغباك من أحلام! البيان لديه مشكلة مع التعايش السلمي بين الشعوب، ومع معاهدات الأممالمتحدة و السلام العالمي، كما أن لديه مشكلة خاصة مع الشيخ المعتدل د. سلمان العودة لأنه قال في برنامج تلفزيوني إنه يفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب، وإنه قال إن حروب دولة الرسول كانت في زمن لا توجد فيه معاهدات دولية. فالبراك يرى أن التفريق بين نوعي الجهاد اصطلاح حادث، بمعنى أنه لا يعترف به، ولابد أنه يعتقد أننا في فترة العهد المطلق، ويجب على إمام المسلمين أن ينهيها بمجرد الاستقواء على الآخرين والخروج من طور الضعف! لا أريد أن أكرر ما كتبته في مقالة سابقة بعنوان "نهاية جهاد الطلب" فهو موجود على موقع الجريدة، وقد ذكرت هناك أن عداءنا لإسرائيل، التي أقحمها البراك إقحاماً، هو عداء سياسي وليس عنصرياً. أما ما أود أن ألفت النظر له هنا، فهو تهافت منطق وضعف حجة الفقهاء السطحيين، فهم لا يكفون عن ترديد نصوص القرآن التي وردت في ظروف زمانية ومكانية معينة بهدف تعميمها، ولو قرأوا التاريخ جيداً لوجدوا أن كل حروب الرسول عليه الصلاة والسلام كانت حروباً دفاعية، ولو عادوا لروح الإيمان لوجدوا أن الإيمان لا يكون غصباً، وأن الإسلام عقيدة وليس سوق نخاسة ولا أطماع رخيصة. مشكلتنا مع الفكر الذي يحمل هذه الفتاوى ويلقي بها في المنتديات والمواقع الإنترنتية - إحدى معطيات الحداثة التي يلعنونها – أنه خطر على الدولة وخطر على الشباب، إذ ماذا نتوقع من العالم إذا كانت نظرتنا ونوايانا التي نضمرها له هي بهذه البشاعة؟! كيف ستكون ردة فعله لكي يتقي شرورنا؟! هذا الفكر خطر على كياننا السياسي وخطر على أبنائنا ولابد من الأخذ على أيدي أصحابه، فما يفعلونه هو منكر عظيم.