كثيراً ما نسمع عن قضايا التحرش الجنسي التي تقع في الأسواق أو المكاتب أو المستشفيات لكننا في النادر القليل جداً نسمع عن اسم المتحرش أو المتحرشة. بل إن فضح المخالف بشكل عام في المملكة لا يحدث وبالتالي لا يخرج للإعلام ولا يأتي له ذكر لا من قريب ولا من بعيد. الحالة الوحيدة التي تدلنا على اسم الفاعل تحدث عند تنفيذ الأحكام كالقتل أو خلافه. أنا حقيقة أتساءل: إذا كنا لا نقر هذه الأعمال (التحرشات والسرقات والرشوة .. إلخ) ونسعى إلى التخلص منها ونجند الأجهزة الحكومية المتعددة لمكافحتها فلماذا لا نشهر بالمجرم عندما يتم القبض عليه؟ ما المشكلة في التشهير به؟ ألا يعتبر ذلك رادعاً قوياً للحد من انتشار هذه الممارسات؟ لا سيما ونحن في مجتمع يحرص الفرد فيه على سمعته ومسمى عائلته ويعتبرها رصيدا هاما يضاف إلى سيرته الذاتية؟ تذكرت وأنا أفكر في كتابة هذا المقال مطالبة قديمة لا أدري إن كانت مستمرة إلى هذا اليوم تلكم هي "شهادة حسن السيرة والسلوك" وكلكم يعرفها وهي الوثيقة التي يتم عادة وضعها من بين شروط أخرى ترفق مع أوراق المتقدم إلى وظيفة أو إلى من يرغب الالتحاق بكلية عسكرية. هل مازالت معمولا بها؟ ومن الذي يصدرها اليوم وعلى ماذا يعتمد من معلومات؟ المحزن هنا أن المتحرش الشاب قد يتقدم إلى وظيفة أمنية وربما لا يظهر سجله هذا التحرش ويلتحق بالجهاز الأمني ويتخرج ويبدأ بمنع الممارسات التي كان يقوم بها قبل أربع سنوات فقط. ألا يدل هذا على تقصير في اختيار الأشخاص قبل الحديث عن الردع والتقليل من وقوع مثل هذه الحوادث؟ إن ارتكاب الشخص لجريمة التحرش على سبيل المثال يعتبر في العوالم الأخرى كبيرة. وهي قضية يتدخل بها القضاء ويتصارع المحامون في أروقة المحاكم لإثباتها أو نفيها. أذكر عدة استقالات جبرية أقدم عليها أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي ونواب في الكونجرس ورؤساء ووزراء حكوميين في أوروبا بعد أن تناولهم الإعلام وفضح ممارساتهم. استقالوا حتى قبل أن تبدأ المحاكم في النظر لقضاياهم والسبب أنهم مدركون لإدانتهم مسبقاً. اليوم يعتبر التحرش في أماكن العمل في العديد من الدول المتقدمة سبباً مباشراً في الفصل من الوظيفة ودفع التكاليف المادية التي يحكم بها القضاء لتعويض الطرف المتضرر. مثل هذه القوانين هي ما نحتاج إليه في هذا العصر الذي أصبحت المرأة فيه هي الطرف الضعيف في قضايا التحرش ولا غيرها. فنحن نعاقب المرأة في الكثير من تعليماتنا الرسمية بسبب خوفنا من إقدام الشاب على التحرش بها لكننا لا نلتفت إلى التحرشات نفسها ونفصل قضيتها ونشهر بمرتكبيها. دائماً نبحث عن الحل الأسهل وهو ربما كان أسهل في الماضي أما اليوم فهو ليس بهذه السهولة. ذلك أن اللجوء إلى حجب المرأة عن المشهد العام خوفاً عليها من التعرض للتحرشات وهي التي تشكل نصف عدد السكان وتحمل الكثير من العلوم والشهادات والقدرة على المساهمة في بناء الوطن يضر بالوطن نفسه قبل أن يهدم القيم والأخلاق التي نسعى إلى تكريسها في مجتمعنا. تعاملنا اليوم مع هذه القضايا ومع بالغ الأسف لن يساعد على الارتقاء بنهضة المجتمع مهما حاولنا الإقلال من أثره. الحقيقة أنه طالما أن الشاب في معزل عن العقوبة فإنه سيستمر في التحرش. وطالمان أن وسيلتنا الوحيدة لمعاقبته هي توقيع التعهد فإنه سيعود ويكرر فعلته. هذا التعهد ليس عقوبة بل قد يراه البعض محفزاً طالما أنه لم يلحق به ضررا كبيرا ومعتبرا. العقوبات كما أشرت وتمنيت أعلاه هي أن يجد صورته غداً صباحاً في الصفحة الثانية من هذه الجريدة أو تلك وقد كتب عليها تعليق يشير إلى أنه ضمن المقبوض عليهم بقضية تحرش جنسي. هذا الحديث يمكن أن يطبق أيضاً على المرتشين والمختلسين من المال العام وعلى كل من يقترف مخالفة للقوانين وللأعراف العامة. هذا هو المطلوب بنظري وإلا كيف يمكننا التقليل من وقوع هذه القصص وتكرارها؟ حقيقة أنا لا أعلم كيف أصبحنا مترددين في التعاطي الأمثل مع هذه المخالفات؟ هل لأن الهدف في الأساس كان منح المخطيء فرصة قبل فضحه عندما كان المجتمع صغيرا وكل فرد منا يعرف جيرانه وأبناء بلدته؟ ربما لكن هذا القدر من حسن النوايا لم يعد مجدياً اليوم ونحن في دولة يتجاوز ساكنوها 26 مليون نسمة. القانون وحده والصرامة في تطبيقه وزرع الهيبة حوله والتصميم على البحث عن الحلول العملية المجربة للإقلال من وقوع الجرائم هي التي ستقودنا إلى بناء المجتمع المنشود. عندها لن نستهلك الأيام والشهور والسنين في جدل لا يقدم ولا يؤخر حول صلاحية هذه الهيئة أو ذلك الجهاز أو تلك اللجنة. عندها سنتوقف عن ملاحقة المرأة ونثر التعليمات عليها هي فقط مثل لبسها للعباءة أو نحو ذلك. عندها سنمتثل للقانون ولا غيره وسيفكر من ينوي إلحاق الأذى بهذه الفتاة أو تلك الأموال مليون مرة قبل أن يقدم على فعلته.