عبد الرحمن الراشد الشرق الاوسط اللندنية في مثل هذه الأيام ينتظر الإعلاميون نتائج الامتحان السنوي؛ حيث تصدر منظمة «مراسلون بلا حدود» حكمها على الدول من حيث حريات الإعلام، والفوز فيها، بالنسبة لنا كإعلاميين عرب، تقريبا مثل الحلم بالفوز بكأس العالم، بعيد المنال. لهذا جاءت الدول العربية كلها في النصف الأخير من قائمة دول العالم (178). طبعا لا مفاجأة ولا اعتراض، فهذا هو موقعنا الطبيعي، ومع أن الحريات محدودة، فإن بعضنا أقل حرية من البعض الآخر. الدول الأكثر تمتعا بالحرية هي الدول الأكثر برودة، على رأسها فنلندا ثم آيسلندا فهولندا والنرويج والسويد، وفي القاع أكثرها حرارة، حيث إريتريا التي لا تكتفي بسرقة حقوق المباريات والأفلام بل تسجن صحافييها لأتفه خبر ينشر ولا يعجب الرئيس أسياس أفورقي. لبنان جاء في المرتبة ال78 بعد غواتيمالا وكينيا وبنين التي رغم سوء أنظمتها السياسية تعيش وضعا أفضل من أوضاعنا. ورغم هذه المرتبة المتأخرة، فإن المنظمة الدولية اعتبرت لبنان أفضل الدول العربية. بالتأكيد في لبنان هامش من الحرية أفضل من السعودية والسودان وسورية واليمن، لكن أعتقد أنه من الخطأ أن يسبق لبنان دولا مثل المغرب والعراق بمسافة بعيدة، نحو الضعف. ففي لبنان لا تستطيع أن تنشر رسما كاريكاتيريا واحدا ضد السيد حسن نصر الله أو أحد حوارييه، ولا تستطيع أن تبث فيلما لا يعجب الكنيسة عن المسيح، ومن قبيل الجنون أن تفكر بانتقاد شيء في تاريخ الإسلام. والحريات مقسومة بحسب المعسكرات؛ إن كنت من فريق «8 آذار»، أي حزب الله و«أمل» والجنرال عون، تستطيع أن تنتقد من تشاء. أما إذا كنت من فريق «14 آذار»، مثل الحريري وجنبلاط، فلا يجوز لك أن تقدم سوى المزيد من الاعتذارات. منظمة الصحافيين هذه لا تقيس درجات الخوف بل تعد المقالات الممنوعة، والصحف المصادرة، والمواقع المحجوبة، والمراسلين المقتولين. في العراق يوجد أكبر عدد من قتلى الصحافة، مع ذلك فيه هامش من الحرية أفضل من لبنان، طبعا مثل لبنان، حيث تستطيع نقد الحكومة، لكنك عليك الحذر عند الحديث عن الميليشيات. في المغرب توجد مساحة مدهشة من الحريات الصحافية رغم محاسبة صحيفة، ومنع بعض الأخبار في العام الحالي. ومصر فيها حرية معقولة نسبيا، أو لنقل التعسف ضد الصحافيين صار صعبا وغاليا، بدليل أن المعارضة تقول إن شراء صحيفة «الدستور» كان هدفه إقصاء إبراهيم عيسى من رئاسة التحرير. وعلى الرغم من التضييق المستمر على الصحافة في مصر فإنه ليس صحيحا أن الحرية في الإمارات وعمان وقطر أفضل مما هي عليه في مصر التي وضعت بعد هذه الدول بمسافة بعيدة. هذا أمر لا يعقل أبدا لأي مطلع على ما يكتب ويذاع. الكويت هي الاستثناء في الخليج؛ حيث جاءت بعد لبنان بتسعة مقاعد، أي أفضل من بقية الدول العربية. والكويت تستحق التقدير؛ لأنها تتمتع بهامش أفضل، لكن لا بد من القول أيضا إن فيها حرية منقوصة مثل لبنان. فالحكومة، إرضاءً للجماعات المتطرفة، تمنع الكتب التي لا تعجبها، وتلاحق الصحف، والمحطات والمواقع، وتسحب الجنسيات. طبعا هذا الذي جعل ترتيب الكويت بعد صربيا وبنما وغيرهما لكنها تسبق بقية الدول العربية.