هناك حيلة يمارسها بعض المتمرسين بالإجرام في الغرب، إذ يحاول محامي المجرم إثبات مرض موكله، وأن موكله مصاب بانفصام في الشخصية، وأن لديه شخصيتين إحداهما يعي بها وقادر على التحكم بها، فيما الشخصية الأخرى لا يعي بها، وهذه الشخصية هي من ارتكبت الجريمة، وبالتالي هو يستحق العلاج وليس السجن. في المقابل كان المجرمون لدينا أقل ذكاء ولا يلعبون على هذه المسألة، أو القضاة لدينا لا يكترثون بالأمراض النفسية، وكانت حيلة المجرم السعودي أنه يحيل الأمر للشيطان، وأن الشيطان هو من دفعه لمثل هذا العمل، لكن هذه الحيلة لا تمنع القاضي من الحكم عليه، لأن القاضي لا يستطيع سجن الشيطان. اليوم تغيرت الحيلة القديمة «الشيطان لعب علي»، وأصبح بعض المجرمين أكثر ذكاء، وابتكروا حيلة جديدة، فبعد أن كشفت تحقيقات المباحث الإدارية في المدينةالمنورة عن قضية الفساد التي حدثت في محكمة المدينةالمنورة، وأن هناك قاضيا متهما بمساعدة مكاتب هندسية للاستيلاء على عقارات وأموال ضخمة مقابل استلامه رشاوى، زعم القاضي المقبوض عليه أنه مسحور ولا يزال يعالج بالرقية الشرعية، وأن الوسيط بينه وبين المكاتب الهندسية هو من سحره ليسيطر عليه ويمرر المعاملات لتسهيلها دون أن يشعر بذلك. لست أدري هل سيتم تبرئة القاضي صاحب الحيلة الجديدة بحجة أنه سحر، أم أن المحكمة لن تنظر لهذه الحجة التي قدمها القاضي وستحمله مسؤولية ما فعله وما قدمه من تسهيلات للمكاتب الهندسية التي استولت على الأراضي مقابل أموال استلمها؟. يخيل لي أن المحكمة لن تنظر لحيلة أن القاضي مسحور، أو من المفترض ألا تنظر لهذا الأمر لأسباب عدة. أولها: إن سوق السحر سيشتعل وسيحدث ضغط على من يدعون السحر لكثرة الطلبات، مما سيؤدي لحضور سحرة العالم لوجود فرص عمل كثيرة، لأن قلة من المواطنين المخادعين سيلجأون للسحرة ليسحروا القضاة حتى يخرج الحكم لمصلحته، وربما الكثير من المواطنين يلجأون للسحرة ليس للغش بل لتعجيل الحكم في قضيتهم، كقضية امرأة تطلب الطلاق من زوجها منذ سنوات لكن قضيتها معطلة في المحاكم. والأهم أن وزارة العدل ستجد نفسها متورطة بالتعاقد مع فرقة لفك السحر وحماية القضاة من السحرة، وهنا ستتحول محاكمنا لساحة معركة بين السحرة وشياطينهم والمقرئين، وبالتأكيد المواطنون لن يلجأوا للمحاكم، لأن الإنسان بطبعه يخاف من الأماكن المسكونة. تنويه: «يقتلك من يأخذ دعابتك مأخذ الجد .. يقتلك أيضا من لا يأخذها مأخذ الجد».