خرجت إلى صلاة الفجر في صباح ذات يوم ، وإذا بي أُفاجأ بمنظر غريب حيث وجدت الساحة الواسعة التي يطل عليها المسجد مملوءة بأكواب الماء و علب العصير الفارغة ومملوءة بالورق الذي تُلفّ به الشطائر ( الساندوتش) وقد أيقنت أن الذين كانوا في تلك الساحة ليلاً لا يقلون عن مئة ، وقد يصلون إلى مئتين ، وقد عجبت من ذلك أشد العجب : أليس هؤلاء من شباب المسلمين ؟ ألم يسمعوا ما روي عن نبيهم صلى الله عليه وسلم من أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وما ورد عنه من حث على النظافة والتجمل وصيانة المظهر العام من التبذل والفوضى والقذارة ؟ ألم ينشأ أولئك الشباب في أسر محترمة علَّمتهم كيف يحافظون على نظافة البيئة وعلى حسن التصرف ببقايا استعمالاتهم الشخصية ؟ ! أسئلة محيرة لم أجد لها جواباً ! السؤال الأكبر من كل هذه الأسئلة هو : ألم يكن بين كل أولئك الشباب شخص واحد يقرِّب إليهم صندوق القمامة القريب منهم أصلاً حتى يضعوا فيه ما نثروه على الأرض ؟! ألم يكن بينهم شخص واحد يقول لهم : توقفوا عما تفعلون لأنه تصرف مخالف لآداب الشريعة ، ومخالف للسلوك الاجتماعي الرشيد ؟ المؤسف أن هذا وقع في ذكرى مناسبة وطنية عزيزة ، كان المطلوب فيها القيام بحملات توعية وجهود ملموسة على الأرض من أجل حياتنا المشتركة ومن أجل الوطن الذي نتفيأ ظلاله ، وننعم بخيراته ! ! ليس هناك أوطان جيدة وأوطان سيئة ، لكن هناك مواطنون جيدون يجعلون أوطانهم جيدة من خلال حرصهم على الخير ومحاصرة الشر وبناء المرافق العامة .... إن من مقاييس تقدم كل مجتمع حجمَ الشريحة الخيِّرة الموجودة فيه الشريحة التي تقدم النموذج ، وتطلق المبادرات وتسد الثغرات ، وتلك الشريحة هي زينة المجتمع ، وهي ماؤه وهواؤه ، وإن كل واحد منّا يستطيع أن يكون من أفرادها من خلال التفكير في المصلحة العامة ، وتقديم مساهمة إيجابية صغيرة ، ينتفع بها الناس في أمرٍ من أمور دينهم أو دنياهم . من قطرات الماء يتكون جدول صغير ومن مجموعة من الجداول يتشكل نهر عظيم يحيي الله به العباد والبلاد ، فإن استطعت أن تكون جدولاً فكن ، وإن لم تستطيع ، فكن قطرة مطر بيضاء عذبة ، وإذا لم تستطيع فلا تعكر صفو الماء الذي تغرف منه براحتيك وتسقي منه أرضك . وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته