عبرت الذكرى المشؤومة بكل سمومها وجنونها وهذيانها. ذكرى 11 سبتمبر التي كانت اشبه بالقنبلة العنقودية التي تتناثر في مختلف انحاء الارض ثم تنفجر التناثرات نفسها. عبرت بهدوء امني لكنها كانت صاخبة بالضجيج الصدامي الطائفي والمذهبي عندنا وعندهم وفي كل مكان، من افغانستان وباكستان شرقا الى فلوريدا غربا... تماما كما القنبلة العنقودية. ومع ذلك دعونا نحلل بهدوء وتعقل ومنطق ما اذا كانت الذكرى عبرت فعلا... وما اذا كان 11 سبتمبر «صفحة طويت» كما تقول ادارة اوباما. نبدأ من القس الاميركي المغمور «المديون» الذي صار مشهورا لانه اراد حرق اوراق من المصحف الشريف. لا نريد طبعا التوقف عند ما حصل وكيف تراجع فهذه تفاصيل عرفها الجميع، لكننا نريد ان نتوقف عند شراسة حملة التنديد الرسمية والشعبية التي لفت العالم المسيحي الغربي وتحديدا موقف الفاتيكان استنكارا للخطوة التي اراد ان يقوم بها... ووصلت الى حد اتهام ابنة القس له بالجنون واعتباره شخصا غير متوازن وغير مسؤول ولذلك يجب ابعاد كل اعواد الثقاب من طريقه او اي شيء حاد يمكن ان يؤذي به الآخرين. طبعا، سيخرج علينا من يقول ان حملة الغضب الاسلامي هي التي اوقفت القس عن المضي في اجرامه وهذا كلام مردود عليه لاننا في العالم العربي والاسلامي لا نحسن الفعل فكيف بالاحرى ردات الفعل. ثم ان تجارب سابقة لنا في التنديد والغضب على الرسومات المسيئة للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام لم تمنع نشرها بل حققت للمسيئين الى الاسلام اكثر مما طمحوا اليه. وهل نسينا قتل المئات في تظاهرات نيجيريا وبنغلادش وباكستان والهند وغيرها؟ هل نسينا الاشتباكات الطائفية التي حصلت في دول اسلامية؟ هل نسينا ان بلدا كلبنان هجم فيه من يدعون نصرة النبي على قنصلية الدنمارك فأحرقوها ثم اكملوا حرق وسرقة المحال والسيارات؟ اذا، لنكن واضحين. لم يمنع القس الاميركي من مضيه في عمله المشين الا رد فعل الرأي العام الغربي والمسيحي واهل بيته تحديدا. قد يخرج علينا مجنون آخر هنا او هناك ويرتكب ما يمكن ان يسيء الى المعتقدات والعقائد ولكن ما سيفعله سيكون ايضا موضع ادانة واستنكار من محيطه قبل الآخرين... وفي طليعتهم نحن. لنلتفت الآن الى مناطقنا ونسأل انفسنا السؤال التالي: كيف كانت ردات الفعل الحقيقية (وأضع الف خط تحت كلمة الحقيقية) من نخب العرب والمسلمين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية وهيئاتهم ومؤسساتهم الدينية الرسمية والشعبية على الاساءات التي يرتكبها مسؤولون او رجال دين او افراد عرب ومسلمون بحق عقائد الآخرين ومعتقداتهم؟ الجواب «الصادق» عن السؤال هو بداية الطريق الصحيح للقاء مع انفسنا من جهة ولقاء الآخر من جهة اخرى. مسؤولون عرب يدعون الغرب الى ان يصبح مسلما ويستفيدون من منابر حرية التعبير في الغرب لأسلمة الناس والمجتمع من دون اغفال اهانة معتقداتهم. بعضنا يصفق لهؤلاء وبعضنا يوافق بخفر وبعضنا المتأفف المستغرب يصمت لاعتبارات عدة اهمها ربما انه يوافق على المضمون لا الشكل أو لأنه يرفض الامر برمته لكنه يخاف من ردود الفعل العربية والاسلامية عليه. رجال دين يهاجمون في السر والعلن عقائد الآخرين. يركزون على ما يفرق لا على ما يوحد، وما يوحد في ديننا اكثر بكثير مما يفرق لكن اقدامهم لا تعرف الطريق الى جسور الحوار والتلاقي... ومع ذلك ننتظر ان يرد عليهم الآخرون ثم نبدأ بشتم الآخرين. «مجاهدون» في كل مكان ومن مختلف الانواع والاشكال. تارة ضد المسيحي وطورا ضد ابن النظام ومرة ضد الشيعي ومرة ضد السني. الجميع اضاع البوصلة والطريق... ومع ذلك لا نسمع الا ادانات من الآخر ونرد عليه. او ادانة من الطرف المسلم المستهدف يرد عليه الطرف المسلم الذي استهدفه، وهكذا الى ان نأكل لحوم بعضنا وننتقل من الانقسام الى التفتيت. قلناها ونكررها. محاربة التطرف مسؤوليتنا قبل ان تكون مسؤولية غيرنا، واذا تركنا الامر لغيرنا ننتقل من صراع الحضارات الى جنون الحضارات تماما كمسلم (بالاسم والهوية) يخطف طائرة غالبية ركابها من المسلمين وتتعرض لرصاص المضادات الارضية الاميركية بغية اسقاطها. وكما فعلت ابنة القس الاميركي واهل بيته ومنطقته ومجلس المحافظة والحكومة الاميركية والفاتيكان وكل الاصوات العاقلة في الغرب علينا ان نفعل تجاه كل متطرف احمق في صفوفنا فيسخفه اهل بيته وابناء حزبه او منطقته وحكومته ومرجعياته الدينية على اختلاف تنوعها نازعين عنه الغطاء من جهة وقاطعين الطريق على المصطادين في ماء الفتن الآسنة من جهة اخرى. ولاننا لم نفعل ذلك مع الآخر، ها نحن ندفع الثمن بنهش لحوم بعضنا بسيوف التخلف والحقد والكراهية والتعصب والتطرف وكأننا في كهوف تورا بورا او مضارب الردة ومواقع الغزوات... بئس ما نفعل والدين براء. هل عبرت الذكرى فعلا وهل طويت الصفحة؟ تابعوا ما يحصل لتدركوا اننا في الطريق الى 11 سبتمبر اسلامي - اسلامي... اذا استمر صوت السفهاء اعلى من صوت الحكماء