وأنا أستمع للإذاعة السعودية في فجر رمضان، وإذا بي أسمع برنامجاً على موجة ال«fm»، وكان موضوع الحلقة عن الستر، والشيخ يورد آيات قرآنية وأحاديث عن وجوب الستر على الناس وتجنب التلصص على الناس وفضحهم. وعبارة جميلة تقولها عائشة رضي الله عنها حين تؤكد فيها على ضرورة الستر، فتقول: «إن العباد يعايرون ولا يغفرون والله يغفر ولا يعاير»، وحديث للرسول ينهى عن أن ينقل له أحد ما يفعله أصحابه حتى لا يلقى أصحابه وفي صدره عليهم شيء. وبقدر ما أسعدني أن وجدت صوتاً معتدلاً سمح له عهد الإصلاح أن يظهر إلا أن مثل هذا الحديث اثار أيضاً عجبي، فكيف نمتلك هذا القدر من الآيات والأحاديث عن الستر ولا يزال بيننا من يشوّه مفهوم «الأمر بالمعروف والنهي المنكر» فيصوره على أنه هو الأفعال التي تقتصر على تتبع عورات الناس وتصيّدها ورصدها حتي بلغ من نشاطها العظيم أن تفوق جهاز هيئة الأمر بالمعروف على جهاز الانتربول كما ورد في آخر خبر أوردته الصحف، حيث قبض رجال الهيئة على فتاة وجدت صدفة مع رجال في خلوة «غير شرعية» في منزل خاص، ثم تكتشف زيادة على إثم الخلوة أنها ملاحقة من «الانتربول». وتقوم «الهيئة» كل عام بنشر عدد القضايا التي أنجزتها وعدد المقبوض عليهم ومعظمهم تم القبض عليهم في حيزهم الشخصي اما في بيوت أو استراحات مغلقة أو في سيارات شخصية، ويعلم الله كم من انتهاك حدث وتعدٍ على حقوق الناس وعلى الحرمات لكي تصل الهيئة لهذه النتائج الباهرة فالغاية عندها تبرر الوسيلة. ولعلنا ما زلنا نذكر قصة الشاب الذي تهور بقتل أختيه حين جاء والدهما لتسلمهما من دار الرعاية الاجتماعية بعد أن قبضت عليهما «الهيئة» وفضحتهما وجعلت قصتهما حديثاً للرأي العام ونهباً للإشاعات وأقفل باب التوبة في وجههما وأصبح قتلهما قضية شرف لا سوء إدارة وتطرف. ونذكر أيضاً قصة تلك السيارة التي طاردتها «الهيئة»، وتسببت هذه المطاردة في انقلاب السيارة وموت شاب وفتاة كانت معه، والشاب تسلم أهله جثته وصلّوا عليها، بينما بقت جثة الشابة مجهولة تخلّى أهلها عن تسلمها تسوطها اللعنات وترجمها الأحكام القاسية. الستر على الناس ليس فقط خلقاً من أخلاق الاسلام، بل هو حق شرعي يندرج في حق الأمن النفسي والأمني وحق حفظ الأعراض وحرمات السكن والممتلكات الخاصة التي يجب على الدولة حفظها للمواطن. ولقد أقر ميثاق حقوق الإنسان في مادته ال12 أنه: «لا يجوز ان يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو بحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات».