محمد بن عبداللطيف ال الشيخ - الجزيرة السعودية كل المؤشرات تقول إن الدولة جادة في ضبط الفتوى، وعدم ترك الأمر دون ضوابط نظامية. فقد صرح سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة بأن هناك آلية ضبط للفتوى ستصدر بعد عيد الفطر. كما قام كثير من المشايخ الذين لهم مواقع على الإنترنت بإلغاء قسم الفتاوى من مواقعهم، امتثالاً للأمر الملكي الكريم الذي ينظم الفتوى، ويحصرها في هيئة كبار العلماء، أو من تخولهم الهيئة بممارسة الفتوى العامة؛ غير أن هناك بعض المشايخ (المسترزقين) من الفتوى تجاهل الأمر، وأصرَّ على ممارسة الفتوى العامة من خلال موقعه على الإنترنت، مخالفاً بذلك الأمر الملكي، وتعليمات مفتي عام المملكة؛ فقامت السلطات المعنية بحجب الموقع؛ فحاول التهرب من خلال إحداث رابط آخر يتجاوز الحجب؛ والسؤال: لماذا يُصر هذا الشيخ على أن يمارس الفتوى بالقوة، بالرغم من أنَّ إقامته أصلاً في المملكة هي بصفة (مستثمر أجنبي)؛ فهل التصريح الصادر له من هيئة الاستثمار يُعطيه الحق بممارسة الفتوى، لأننا في حاجة إلى الخبرات الأجنبية في هذه الشؤون مثلاً؟. ولا أدري ما هو سر إصرار هؤلاء المشايخ على أن يُفتوا، وبالقوة، رغم أن السلف، الذين (يدّعون) أنهم يتّبعونهم، كانوا يتحاشون الفتوى، ويُحيلها الواحد منهم على الآخر، خوفاً ووجلاً مما قد يترتب عليها من مسؤوليات أمام الخالق جلَّ وعلا؛ فهذا عبدالرحمن بن أبي ليلى -رحمه الله- يقول: (لقد أدركتُ عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل أحدهم عن المسألة أحبّ أن يكفيه غيره. وفي رواية: ما منهم من يحدث بحديث، إلا وَدَّ أنّ أخاه كفاه إياه، ولا يُستفتى عن فتيا إلا ودّ أنّ أخاه كفاه الفتيا). وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: (من أجاب الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون). وقال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: (أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بداً من أن يفتوا. وقال: أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها). وكان سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- (ربما أخّر الفتوى شهراً إذا كان لها صلة بأمر عظيم، حتى ينظر ويستخير؛ وكان يتريّث في بعض المسائل حتى يجيب فيها؛ فيمكث في السطر أو السطرين دقائق ليملي مخافة أن يكون في لفظ منها زيادة أو نقص)، كما يقول حفيده معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ. وبعد ما تقدم، ألا يستحي بعض هؤلاء المشايخ من أن يُفتوا وهم يقرؤون تراث سلفنا الذي استعرضت جزءاً يسيراً منه هنا؟.. ثم لو طبقنا معادلة الصحابي الجليل ابن مسعود -رضي الله عنه- في أن من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه فهو (مجنون)، كم مجنون -بالله عليكم- من مشايخنا يجب الحجر عليه حسب هذه المعادلة؟.. حسناً، اقرؤوا هذا الأثر: (سئل الإمام الشعبي -رحمه الله- عن شيء فقال لا أدري؛ فقيل: ألا تستحي من قولك لا أدري وأنت فقيه أهل العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستح حيث قالت: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}!. سؤالي: هل هناك شيخ واحد سمعتموه يقول عندما استفتي ولو مرة واحدة: لا أعلم أو لا أدري؟.. بقي أن أقول: الغريب أن كثيراً من هؤلاء المفتئتين على الفتوى كانوا يطالبون السلطة السياسية بالتدخل وتنظيم شأن الفتوى، وعندما تدخلت السلطة، كانوا هم أول من خالف الأنظمة!.. ولكن لله في خلقه شؤوناً. إلى اللقاء،،،