محمد بن عبداللطيف آل الشيخ - الجزيرة السعودية قبيل وفاته - رحمه الله - بأسبوعين، اتخذ وزير الثقافة والإعلام قراراً يقضي بالسماح ببيع مؤلفات الدكتور غازي القصيبي وأعماله الأدبية في المملكة. القرار مرّ مرور الكرام ولم يجد من الممانعة والرفض و(البيانات) من الجماعة إياهم ما يستحق الذكر. لكم أن تتصوروا لو أن قراراً كهذا اتخذ في التسعينات من القرن المنصرم، حين كانت الحركات الصحوية في أوجّ قوتها هل كان سيمر مثل هذا القرار بهذا القدر من الهدوء؟ وأنا كنت - وما أزال - أعتقد أن قوة (التشدد والمتشددين) قضية بالغنا في مجاملتها والرضوخ لمفاهيمها كثيراً؛ فهي في الغالب (جعجعة) لا يتناسب علو صوتها مع حقيقة انتشارها بين الناس كقناعة. وكنت أقول - أيضاً - إن المبالغة في مجاملة أساطينها، والانصياع لبعض مطالبهم، جعل كثيراً من (الانتهازيين) يعتنقون التشدد، ثم يزايدون عليه؛ ليس قناعة بالتشدد نفسه، ولكن لأنه يختصر لهم الوصول إلى تحقيق غايات دنيوية ما كانوا ليصلوا إليها بيسر وسهولة إلا من خلال هذه الذريعة. وكثيرٌ ممن يرفعون راية التشدّد، لولا أنهم (يسترزقون) من ورائها، ويستثمرونها إما مالاً أو وجاهة اجتماعية، لما اندفعوا كل هذا الاندفاع خلف التطرف والتعصب والتشدّد والانغلاق، وتلمّس التضييق على الناس بأية طريقة. آخر خزعبلات المتشددين فتوى أخيرة أصدرها أحدهم (يفتي) فيها بجواز الهجوم على غازي القصيبي بعد وفاته والتشهير به؛ وضعّفَ في السياق حديث (اذكروا محاسن موتاكم)، وكأنه بتضعيفه للحديث يحرّض على شتم الأموات، ليجد له ولمن يدور في فلكه من الظلاميين مدخلاً لتفريغ أحقادهم على الرجل؛ وتعَمّدِ تجاهل أن هناك أحاديث أخرى صحيحة تعضد هذا المعنى، منها على سبيل المثال ما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا). ومن المعروف عند أهل السنة والجماعة أنهم لا يتشددون في أحاديث الرقائق والزهد وكذلك الترغيب في مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، بينما يتشددون في الأحاديث التي يترتب عليها أحكام تمس العقيدة، و- أيضاً - تلك التي يُبنى عليها أحكام تتعلق بالحلال والحرام؛ فينسب إلى الإمام أحمد - رحمه الله - أنه قال: (إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد)؛ وهذا ما كان عليه السلف من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال والحث على مكارم الأخلاق؛ لكن لأن الغاية تبرِّر الوسيلة عند الحركيين، فقد خرج على أصول المنهج الذي يقول إنه يتمسك به ليتسنى له تحقيق غاياته الحركية.. كما أن هذا الشيخ المتزمّت نفسه اعتبر من رثوا الدكتور غازي وأشادوا به بعد وفاته هم - كما قال - من المنافقين. أعرف أن المذكور من عتاة المتهورين في قضايا التشدّد، ولا قيمة له فعلياً على أرض الواقع، وممنوع من التدريس في الجامعة التي ينتسب إليها، فضلاً عن أنه حاقد على غازي إلى درجة المرض، وله من الفتاوى (المُضحكة) والشاذة ما سارت بها الركبان، وتندّر بها الناس في الداخل والخارج، غير أنني أتساءل عن مدى تعارض فتوى هذا الرجل مع الأمر الملكي الكريم الذي يحصر الفتوى بكبار العلماء. إلى اللقاء