قال ربنا: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾ هذه الآية هي الأصل في فرضية الصيام ، والمشهور أنه كان في السنة الثانية من الهجرة ، والنداء هنا نداء كرامة ، إذ إن النداء جاء متنوعاً في القرآن ، فمنه نداء نسب إلى الوالد ﴿ يا بني آدم ﴾، ﴿ يا بني إسرائيل ﴾ ومنه نداء نسب لما أوتوه ﴿ يا أهل الكتاب ﴾ ومنه نداء عام ﴿ يا أيها الناس ﴾ ومنه نداء مذمّة ﴿ يا أيها الذين كفروا ﴾ ومنه نداء كرامة ، وهو نداء أهل الطاعات بوصف الإيمان ، كما في هذه الآية المباركة . (وكُتب) بمعنى فُرض ، وهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين ، قال الإمام الذهبي رحمه الله:( وعند المسلمين مقرّر أن من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ، فهو شرّ من الزاني ومدمن الخمر ويظنّون به الزندقة والانحلال). والكاف في قوله جلّ شأنه ﴿كما كُتب على الذين من قبلكم ﴾ هي كاف التشبيه ، والأظهر أنه تشبيه في الفرضية لا في الكيفية ، ولا في الثواب لما عُلم من رحمة الله بهذه الأمّة . وقوله﴿على الذين من قبلكم ﴾ يصرف بعضهم المعنى إلى أهل الكتابين من قبلنا (اليهود والنصارى) ولعله يشمل الأنبياء وأممهم من قبل ، ولهذا التشبيه أغراض عدة ألمح ابن عاشور رحمه الله إلى بعضها، لعل أظهرها الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بها لأنها شُرعت قبلنا ولنا، وهذا يقتضي إطراد صلاحها ووفرة ثوابها، وفي ذلك أيضاً إنهاض همم المسلمين لتلقي هذه العبادة كي لا يتميّز بها من كان قبلهم .وقبله ذكر ابن عادل الحنبلي في اللباب أن من فوائد هذا التشبيه : أن الشيء إذا عمَّ سهُل عمله. وقوله جلّ شأنه ﴿لعلكم تتقون﴾ أي لعلكم تكونون في زمرة أهل التقوى، فالصيام من أعظم مناقبهم لما فيه قهر النفس وكسر شهواتها ، وتلك من حقائق التقوى.