المجتمع الأميركي يعجّ بالخطايا مثله مثل كل المجتمعات البشرية، والمؤسسات الأميركية ترتكب أخطاء عبر موظفيها مثلها مثل كل المؤسسات التي يديرها البشر في العالم، لكن الفارق هنا هو أنهم هنا لا يفتشون عن تبرير الخطأ باختراع ايدلوجيات تحمي فئة من الناس وتجعلهم فوق البشر ولا تخترع أساطير تجيز لبعض المؤسسات أن تمارس التدليس بحجج واساطير. قرأت مرة أن الصحافة تلاحق الرئيس الأميركي جورج بوش لأنه شوهد يسوّق سيارته من دون أن يربط الحزام، والضجة تعتمد على سؤال كيف يقوم رجل هو أهم رموز الدولة بخرق القانون؟ وماذا يمكن أن يمثل مثل هذا التصرف للناس والشعب الأميركي؟ والرئيس بوش طبعاً حاول أن يبرئ نفسه لكنه من دون أن يعتمد على أساطير اجتماعية أو قانونية تجعل منه فوق البشر وفوق المحاسبة، لكنه كلف فريقاً من المحامين أن يفتشوا له عن ثغرة قانونية يقفز منها، فوجد المحامون أن جورج بوش كان يقود سيارته في مزرعته، وأن القانون لا يحاسب الانسان طالما هو في ممتلكاته الخاصة، وطالما أنه لم يخرج للشارع العام ويهدد حياة الآخرين، وهنا برأ القانون الرئيس، لكنه لم يستطع أن يمسح ما علق بسمعته خلال تلك الأيام وما أضر بصورته، لكن القانون وحده استطاع أن يحمي سمعته ويبرئ ساحته من محاباة أحد دون أحد ليكون هو العدل بعينه. في بقالات أميركا لا تستطيع أن تشتري علبة سجائر حتى ولو كنت في ال50 والشعر الأبيض يغطي نصف شعرك دون أن يطلب منك البائع أن تبرز هويتك، وهذا القانون ليس للعرض أو لاخلاء الذمة بل يتم حمايته بمراقبين سريين يمرون بين الحين والآخر لاختبار البائعين، وهذه القيود تشمل معظم السلع التي لا يحق لمن هو دون السن ال21 شراؤها كالكحول والأفلام والمجلات. لا أحد يقرر لك حدود الفضيلة والخطيئة طالما أنك عاقل راشد، لكن الدولة تسن القوانين لتحمي غير الراشدين من الاستغلال والخطأ في سن لا يمكنهم من أن يعقلوا ما هو الفرق بين الصالح والطالح، حين وصلنا أميركا كانت محاكمة النجمة السينمائية لندسي لوهان تتصدر الأخبار الأميركية، فالشابة التي تم ضبطها تقود تحت تأثير الكحول تم تغريمها خمسة آلاف دولار واجبارها على حضور دروس طويلة عن تأثير الكحول دفعت الشابة الغرامة، لكن القاضي بعد أسابيع أبلغ بأن الشابة لم تلتزم بحضور الدروس فحكم عليها بالسجن 90 يوماً، شاهد الشعب الأميركي كله الشابة تقاد للسجن وهي تبكي دون أن تقدم لها أسطورتها كممثلة المحاباة والتعاطف. بربكم ماذا سيتعلم الشباب وهم يشاهدون أن لا أحد فوق القانون وسترتعد فرائصهم وسيحنون رؤسهم وعندما تسألهم لماذا لا يفعلون هذا الشيء أو ذاك سيقولون لك جملة واحدة إنه القانون. هذا القانون الذي يمتلك سطوته وشرعيته من كونه لا يحميك من نفسك لكنه يحمي الآخرين من أن تخطأ بحقهم ثم تفتش عمن يحميك، لهذا حين تسمعهم يقولون لك من دون شرح مفصل أن هذا ممنوع بواسطة القانون لن تمنع نفسك من الرد عليهم سلّم لي على القانون.