لا شك أن المصريين هم أول من ابتدع تكثيف الأعمال الرمضانية. ولا شك أيضا أن النظام الإداري المعمول به في المملكة ساهم بدور كبير في تأصيل ذلك. على حد علمي المملكة هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تعدل نظام العمل في رمضان. تأخير ساعة بدء الدوام. خفض عدد ساعات العمل. زيادة معتبرة في درجة التسامح مع الكسالى. أملاه واجب تفريغ المواطن السعودي للتفرج على كل المسلسلات في رمضان دون استثناء. ابتداء من بعد المغرب حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي. من باب زيادة الأجر. لن أشتكي من هذا النظام. إعتدنا عليه حتى أصبح جزءاً من السياق الاجتماعي. فتح النظام الرمضاني الباب للمسلسلات الأجنبية (المكسيكية سابقا والتركية حاليا). جعلها تتسيد الأحد عشر شهراً المتبقية من السنة. مع دخول الدكتور عبدالعزيز خوجة وزارة الثقافة والإعلام لا شك زاد الاهتمام بالدراما السعودية. زادت نسبة رضا المواطن السعودي عن الوزارة. لكن الورطة هي نفسها. الحشد الرمضاني. لا يريد التلفزيون السعودي الخروج من مكاسب ليالي رمضان وكعكة الإعلان. محق في ذلك وغير محق. دوامة تحتاج إلى استراتيجية طويلة النفس لتقويضها. لكي نفهم الورطة علينا تتبع جذورها. القضية متشابكة بطريقة معقدة. السهر في رمضان لم يبدأ مع التلفزيون..لليل رهبة. الظلام يؤسس لمخاوف من المجهول. الجن والشياطين يتربصون بالبشر. في اللحظة التي كنا نسمع فيها مدفع دخول رمضان نهرع إلى الشارع. نبدأ في الصراخ. كل الصغار في كل الحارات يخرجون إلى الشارع. تم تربيط الشياطين. هكذا كنا نصيح. بعضنا يخبط الحيطان ويرفس الزوايا تنكيلا بالشياطين المذلة. يصبح الليل كالنهار في مفهومهم الثقافي. تستطيع أن تصارخ وتلعب وتغني (بفتوى الكلباني أو بدونها)، فلن يأتي جني ويسقط فيك. يتسامح الأهالي مع أطفالهم خارج البيت. السهر جاء من هذا المفهوم. أصبح في الليل ساعات فائضة تحتاج من يملأها. التجار يعرفون كيف يستغلون الجن والإنس في تعظيم أرباحهم. يمد التجار ساعات عملهم الليلي تعويضا عن ساعات النهار التي خسروها ويمدونها أكثر في غفلة من الناس. التلفزيون مشروع حكومي صرف، ولكنه استجاب لحاجة السهرانين. زاد عدد ساعات بثه. صار يعدل من طبيعة برامجه لكي تتلاءم مع المرح الذي يكتنف الناس. لكن المال لا يترك مكانا لا يدخل فيه. زيادة عدد ساعات البث تحتاج إلى برامج. البرامج تحتاج إلى متعهدين. المتعهدون يحتاجون إلى فلوس. إذا دخلت الفلوس دخل التاجر. إذا دخل التاجر دخل الإعلان. الإعلان يرسخ قيم الاستهلاك. شكل هذا ضغطا على النظام الإداري الحكومي ودفعه للتنازل. هكذا اشتغلت الدوامة التي نشتكي منها. كل من يقع في هذه الدوامة يصبح مستفيدا مباشرا من السهر. التاجر والفنان والمسؤول والموظف. لو قلبنا المعادلة وحسبنا التكاليف الخفية سنجد أن الدولة هي الخاسر الأعظم، وبالتالي الجميع خسران بما فيها الدراما السعودية الوليدة.