يكثر الحديث مع اقتراب رمضان عن جشع التجار والحاجة إلى حماية المستهلك. هو في الواقع حديث صالح لكل الفصول، ذلك أن التجار لا يشبعون والمستهلكين بالمثل لا يشبعون. فمن الملام هنا: التاجر أم المستهلك؟، تميل القاعدة الشعبية إلى اتهام التجار باستغلال المستهلكين في رمضان وغير رمضان. هي فرضية تسكن في عقلنا الباطني والظاهري والمخفي وغير المخفي تفترض أن التاجر يفتقد للأمانة والحس الوطني وحتى الإنساني. وفي تقديري أنه لن يلبث أن يتبلور موروث شعبي يصور التاجر كخائن للأمة له هيئة كائن خرافي يطلق النار من فمه. أنا لست تاجرا، ولا أنتمي لعائلة تجارية، وآخر ما أفهم فيه هو ضروب التجارة بأنواعها، لكني أقف هنا ليس مدافعا عن التجار بل منتقد للمستهلكين. ذلك أن التاجر إن إخطأ مرة في المغالاة والاستغلال فإننا كمستهلكين نخطئ كل يوم مائة مرة، وذلك عندما يتخطى استهلاكنا إما قدرتنا المادية أو حاجتنا إلى الاستهلاك. فإن كانت القاعدة تقضي بأن يوفر الإنسان من مدخوله الشهري ما يقيه حاجة المستقبل والضرورات الطارئة، فإن تلك القاعدة تتلاشى أمام نهم استهلاكي في مجتمعنا بصورة لا مثيل لها، بحيث تصبح مسألة التوفير حالة حلم. وإن كان هناك من يقول بأن المجتمع لا يلام بسبب ارتفاع الأسعار التي تستهلك كل مدخول الإنسان فسأرد على ذلك بالقول إنه من الأدعى مع ارتفاع الأسعار أن يكون هناك منطق في الاستهلاك. وأنا أستغرب حقيقة كيف يمكن لإنسان يتخطى دخله العشرة آلاف ريال أن يستهلك راتبه كله على مستلزمات نصفها كمالي. متوسط دخل الفرد في أوروبا هو أقل بكثير من عشرة آلاف ريال ناهيك عن الضرائب التي تقتطع ثلث المدخول رغم انخفاضه، والأسعار فيها أغلى من هنا بالضعف تقريبا مع ذلك تجد من يوفر حتى من راتبه الهش. إنها نظرة إلى المستقبل تتخطى إغواء الآن. نحن نسير على هدي «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». مثل هذا المنطق لن يقود سوى إلى فقر مدقع يعيش فيه أناس يتخطى معاشهم حتى العشرين ألف ريال شهريا، مع ذلك لا يكاد الشهر ينتصف حتى يكون المعاش قد أصبح في الغيب بالفعل. نحن ننتقد التجار ونطالب جمعية حماية المستهلك بالتدخل في كل مناسبة وغير مناسبة. أنا لا أقول بأن التجار أبرياء من الجشع والاستغلال، لكني أقول بأنه إن كان من أحد يستحق النقد فهو المستهلك نفسه على ضعفه أمام نمط استهلاكي لا يخلو من تبذير يفوق في سوئه جشع التجار، وإن كانت هناك حاجة حقيقية لجمعية حماية المستهلك، فالأولى أن تكون هناك جمعية لهداية المستهلك، أو لنصح المستهلك، أو إرشاد المستهلك لتكون دليله إلى الإنفاق الصحيح.