يبذل مسؤولان رفيعا المستوى في إدارة أوباما كلّ ما بوسعهما ليضمنا حماية إسرائيل بالكامل من أي خطر محتمل قد يأتي من أعدائها الإقليميين وليبقى التحالف الأميركي - الإسرائيلي راسخاً أكثر من أي وقت مضى. والمسؤولان هما ستيوارت أ. ليفي، وكيل وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، وأندرو ج. شابيرو، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية. هل يقوم كلّ من ليفي وشابيرو بحماية أميركا من أيّ هجوم قد ينفذه مسلمون غاضبون ويائسون أم أنهما على العكس يؤججان حدّة معاداة الأميركيين؟ هل يساهمان في إقناع إسرائيل بالسعي من أجل السلام أم أنهما يشجعان المتشددين الإسرائيليين على تحدّي الرئيس الأميركي؟ بمعنى آخر، هل تساهم الجهود الحثيثة التي يبذلها هذان المسؤولان في الترويج للأهداف التي أعلن عنها الرئيس أوباما والقاضية بحلّ النزاع العربي - الإسرائيلي والتوصل إلى حلّ يتمّ التفاوض عليه مع إيران حيال طموحاتها النووية أم أنهما يعيقان تطبيق تلك الأهداف؟ كان ستيوارت ليفي يقود على مدى سنوات الجهود الهادفة إلى شلّ اقتصاد إيران. ويكمن هدفه الرئيسي في إقناع المصارف في جميع أنحاء العالم وممارسة الضغوط عليها كي لا تتعامل مع إيران. فهو يرغب في الحؤول دون وصول المصارف الإيرانية إلى النظام المصرفي الدولي. وقد حقّق نجاحاً نوعياً على هذا الصعيد بغض النظر عمّا إذا ساهم هذا التصرف في تقريب أجواء المصالحة بين طهرانوواشنطن أو جعل إيران أكثر تحدياً. ويبدو أن ليفي يسعى إلى توسيع أنشطته أبعد من حدود إيران لتشمل بعض حلفاء أميركا العرب المقربين. أما أندرو شابيرو، فيهوى بدوره توجيه الانتقادات اللاذعة إلى أعداء إسرائيل. فقد أعلن في 16 تموز (يوليو) الماضي أمام جمهور في مركز «سابان» في واشنطن أنّ أحد مسؤولياته الأساسية في وزارة الخارجية الأميركية تكمن في حماية هيمنة إسرائيل الإقليمية والتفوّق النوعي لقوتها العسكرية، أي قدرتها على مواجهة أيّ تهديد قد يأتي من دولة معيّنة أو من ائتلاف دول أو من أية جهة أخرى وهزيمة هذا التهديد. وذكّرت كلمات شابيرو بكلمات المسؤولين الإسرائيليين، فقد ندّد بإيران بالقول: «ما من خطر استراتيجي أكبر من إمكان أن تصبح إيران مسلحة نووياً». كما اعتبر أنّ سورية تفرض «تحدياً أمنياً كبيراً» على إسرائيل وأنّ صواريخ «حزب الله» وحركة «حماس» تستهدف أحياء سكنية في إسرائيل. ولم يبدِ علمه أو أقله اهتمامه بالمخاوف التي تراود جيران إسرائيل مثل لبنان وقطاع غزة في شأن إمكان قيام الدولة اليهودية بشنّ هجوم جديد ضدهما مع العلم أنها لم تتردد في مهاجمتهما واحتلالهما مرات عدة في الماضي، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى المدنيين. بل على العكس، اعتبر شابيرو أنّ إسرائيل «تتعرض لتحديات هي الأكثر قسوة في تاريخها ... وذلك بسبب المخاطر الجدية التي تواجهها في المنطقة». إلا أنه أعلن باعتزاز أن أميركا «ملتزمة بالكامل بأمن إسرائيل»، معتبراً أنّ علاقة أميركا الأمنية بإسرائيل باتت «أوثق وأعمق وأقوى من السابق». وتابع بالقول إن الولاياتالمتحدة «رفعت أكثر من أي وقت مضى» المساعدة التي تقدمها لإسرائيل مشيراً إلى أنه تمّ تخصيص ثلاثة بلايين دولار لهذا البلد للعام 2011. وتبدو إسرائيل على وشك الحصول على أحدث المقاتلات الهجومية من طراز «أف 35» بعد أن تمّ إحراز تقدّم في المحادثات الأمنية على هذا الصعيد. وقد يحظى مشروع «قبة الحديد» الإسرائيلي ونظام اعتراض الصواريخ القصيرة المدى الذي سيتم نشره قريباً على الحدود مع لبنان وقطاع غزة على مساعدة أميركية تصل إلى 205 ملايين دولار. كما قدمت أميركا مساعدة كبيرة لإغلاق الأنفاق الى غزة بهدف منع حركة «حماس» من إعادة التسلح. وأعلن شابيرو «إن العلاقة الفريدة التي تربط بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل متجذرة في القيم والثقافات المشتركة والمصالح المتبادلة». ويبدو أنّ شابيرو لم يتنبه إلى أنّ النزعات الأخيرة في إسرائيل تشير إلى تخلٍّ جذري عن هذه «القيم المشتركة» مثل السياسات العنصرية وغير الديموقراطية التي اعتمدها وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وحزبه المتشدد «إسرائيل بيتنا» إلى جانب «قوانين الولاء» للدولة اليهودية التي روّج لها وقانون اعتناق الديانة اليهودية الذي اقترحه والذي يعطي الحاخامات سلطة أكبر في مسائل اعتناق الديانة اليهودية، مع العلم أن صحيفة «هآرتس» اعتبرت أنّ هذا القانون «يهدد بتقويض علاقة إسرائيل بالمجتمعات اليهودية في الولاياتالمتحدة». فضلاً عن ذلك، يعارض عدد كبير من العقائديين الذين يدافعون عن فكرة «إسرائيل الكبرى» داخل ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حلّ الدولتين الذي اقترحه أوباما للمشكلة الفلسطينية والاقتراح القاضي بتجريد حنين زعبي المرأة العربية التي تحتل منصب نائب في الكنيست الإسرائيلي من امتيازاتها البرلمانية لأنها تجرأت على المشاركة في أسطول المساعدة المتجه إلى قطاع غزة فضلاً عن الهجوم الذي شنه بعض اليمينيين على المحكمة العليا في إسرائيل والإرهاب المستمر الذي يمارسه المستوطنون المتشددون ضد المزارعين الفلسطينيين والدمار الذي لحق بالمنازل الفلسطينية وبأعمالهم في القدسالشرقية وذلك في إطار محاولة رئيس البلدية «تهويد» المدينة. وعلى حدّ علمنا، لا تتفق هذه الأعمال مع قيم باراك أوباما أو مع قيم اليهود والإسرائيليين الأميركيين الليبراليين القلقين أكثر من ليفي وشابيرو جرّاء النزعة العدائية والفاشية في المجتمع الإسرائيلي. لماذا لا يتحرك أوباما؟ من الواضح أنه عاجز عن التحرك. ويبدو أنه يصب تركيزه على الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل حيث سيتنافس 435 عضواً في مجلس النواب و34 عضواً من أصل مئة من أعضاء مجلس الشيوخ على المقاعد. ويخشى أوباما من خسارة الأكثرية التي يتمتع بها الحزب الديموقراطي لمصلحة الجمهوريين. وفي الوقت الحالي، لا يجرؤ على إهانة أصدقاء إسرائيل النافذين. بالتالي، يمكن فهم الجهود التي يبذلها ليفي وشابيرو والهادفة إلى طمأنة إسرائيل ومؤيديها إلى أن دعم أوباما لإسرائيل «لا يزال ثابتاً» على غرار الدعم الذي قدّمه سلفه في البيت الأبيض جورج بوش الابن. هل سيصبح أوباما أكثر صرامة بعد الانتخابات النصفية؟ لا شيء مؤكداً بعد. ويبدو كأن «البداية الجديدة» التي وعد العرب والمسلمين بتحقيقها في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في 4 حزيران (يونيو) 2009 قد تحوّلت إلى سراب. يشعر الأوروبيون بالقلق حيال عجز أميركا عن منع إسرائيل من الاستحواذ على المزيد من الأراضي في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية أو عن رفع حصارها القاسي عن قطاع غزة. ويمكن بالتالي تفهّم سبب التحرّك الذي تقوم به كاثرين آشتون الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن. وعلى رغم أنها دعمت فرض عقوبات على إيران، إلا أنها أيدت تجديد المحادثات مع طهران في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل حول برنامجها النووي. وبعد الزيارة التي قامت بها الى قطاع غزة في نهاية الأسبوع الماضي دعت إلى فتح المعابر إلى قطاع غزة الذي يعاني فقراً مدقعاً وذلك في ظل مراقبة أوروبية. ويجب أن ننتظر لنرى ما إذا كان الأوروبيون متّحدين وعاقدي العزم وشجعاناً بما فيه الكفاية لمواجهة واشنطن حول هذه المسائل التي تعتبر أساسية لإحلال السلام الإقليمي.