صديقي .. كان مثالك أمس حول زاوية رؤيتنا للأشياء معقدا إلى حد ما، فكيف يمكن لنا الصعود إلى الفضاء لنتأكد من صحة المثال؟. هذا على افتراض أن الجميع يؤمنون بأن الأرض تدور حول نفسها، وتدور حول الشمس بسرعة 1140 ميلا في الدقيقة، فثمة من لا يؤمن بهذا ويرى أن الأرض ثابتة. وحتى لا تعتقد أني أشير لأحد ما، هذه الرؤية موجودة في الغرب أيضا، فأحد المفكرين الإنجليز كان يخصص بين حين وآخر محاضرة للعامة لنشر المعرفة، وكانت محاضرته عن مجرتنا وكيف تدور الكواكب حول الشمس، فقالت له عجوز بريطانية: «ما تقوله هراء، فالعالم في الواقع لوح مسطح، على ظهر سلحفاة عملاقة»، معتمدة على الأسطورية المسيحية التي تؤكد أن الأرض ثابتة وتقف على ظهر سلحفاة. دعني أحضر لك مثالا أسهل ويمكن لك تطبيقه دون أن تذهب للفضاء، ضم أصابع يدك، وارفع سبابتك جهة السماء، ثم ابدأ بتحريك أصبعك في اتجاه عقارب الساعة، وأنت تنظر لهذا الدوران من أعلى، أي يدك بمحاذاة بطنك. ببطء ارفع يدك للأعلى دون أن تتوقف عن الدوران في اتجاه عقارب الساعة، ما الذي ستشاهده وأنت تنظر ليدك من أسفل؟. ستكتشف أن سبابتك أصبحت تدور عكس عقارب الساعة، مع أنك وأنت تنظر لها من الأعلى كانت تدور مع عقارب، أرأيت كيف هي زاوية الرؤية تجعلك ترى الشيء ونقيضه، أعني دوران أصبعك مع عقارب الساعة ثم النقيض، فما بالك بالآخر الذي يرى من زاوية أخرى؟. إن اقتناعك بهذا الأمر يا صديقي سيخلصك من العدوانية والكراهية وفكرة تدمير الآخر، وستؤمن بالتسامح في كل حواراتك الفكرية، لأنك منطلق أن الآخر يرى الأمر من زاوية أخرى، وستنصت له. والتسامح ربما يجعلك ترى الأمر من زاويتين، وهنا ستصبح فكرتك أكثر عمقا وإقناعا، ولكن للأسف «أصحاب الحقائق» لا يريدون الإنصات، بل ولديهم أسلحة محرمة فكريا لمن يتحاور معهم، إذ يقول أحدهم وهو يطرح رأيه في أمر ما: «إن هذا الأمر يجر مفاسد لا يخفى على ذي لب»، بمعنى أنك إن لم تتفق معه فأنت غير عاقل. لا تنس يا صديقي أنا لا أتحدث عن رأي العامة أو من يسمون «الرويبضة»، أنا أتحدث عن علماء اختلفوا فيما بينهم، فطالب كل منهم الحجر على الآخر بتهمة أنه غير عاقل. التوقيع: صديقك