انباؤكم - د . سعد بن عبد القادر القويعي برق أمام ناظري أضواء لوحة رائعة , تمثل في اعتذار هيئة نجران , حين أعلنت عن نتائج التحقيق , في قضية مداهمة مجموعة من رجال الهيئة عمارة سكنية , عن وجود جملة من الأخطاء الإدارية , تمثلت في : عدم إتقان عملية الضبط , وعدم تعاملها مع الاحتمالات الممكنة في القضية , وإساءتهم لسكان العمارة . واقترحت لجنة التحقيق معاقبة أعضاء الهيئة المدانين , بتوجيه الإنذار لهم , والنقل , وكف اليد عن ممارسة العمل الميداني , بحسب مسؤولية كل منهم عن التقصير في القضية . إضافة إلى إخضاعهم - جميعا - , إلى دورة تأهيلية في مهارات الضبط الجنائي مستقبلا . وهذا - بلا شك – دليل واضح على الرغبة الحقيقة في تحسين الأداء , وتصحيح الأخطاء ضمن دائرة الإصلاح . هذا الاعتذار المهم على المستوى الرسمي تصرف نبيل , يمثل تقويما لسلوك سلبي . ويدل على شجاعة رئيس فرع الهيئة في منطقة نجران - الشيخ – أحمد بن صالح بالحمر , ومنطقه الفذ , ولغته السامية . كما يدل - أيضا - على مواجهته الواقعة بقوة , وارتقائه في تعامله مع الآخرين , وتغليب مصلحة المواطن , والانحياز إلى صفه , في قضية لها علاقة بمنسوبي الهيئة , ومحاسبة المتجاوزين منهم , أو المقصرين في أداء مهامهم الوظيفية . في كتابه الشهير : " كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء " , يؤكد " ديل كارينجي " على أهمية الاعتذار في توطيد علاقة الإنسان بالمحيطين به , وتعزيز مكانته لديهم ، فيقول : " إذا عرفنا أننا مخطئون , وسلمنا بالهزيمة لا محالة , فلم لا نسبق الشخص الآخر إلى التسليم بذلك ؟ . أليس من الأفضل أن نكون نحن من نوجه النقد لأنفسنا , بدل أن يوجهه لنا الشخص الآخر ؟ " . ثم يضيف في مقطع آخر : " كل أحمق يستطيع الدفاع عن أخطائه . أما أن تسلم بأخطائك , فهذا هو سبيلك إلى الارتفاع فوق درجات الناس , وإلى الإحساس بالرقي والسمو " . على أي حال , فإن ثقافة الاعتذار حين تسود في مجتمع ما , فإنها تعبر به إلى عالم السماحة الرحيب , وتزرع الأمل بتجدد العلاقة بين الأطراف المختلفة , وتعكس حالة إنسانية وحضارية تقدم الاحترام لذات الإنسان , بعد أن تقر بالخطأ , وترجع عنه إلى الحق . وبدون هذه الثقافة , سيظل الحدث عالقا في القلب , محتقنا في الصدر , لن تمحوه ذاكرة المعتدي عليه , مما يولد لديه حب للنقمة , والحرص على التشفي ؛ لأننا لم نستطع مدارة القلوب المكسورة , والكرامة المجروحة . ولذا , فإن من التواضع , ألا نكابر في الدفاع عن أخطاءنا , أو نرفض تقديم المعاذير لاعتبارات متوارثة . فتلك صفحة قبيحة تجلب على صاحبها الذم , وتكرس لديه ثقافة الانحطاط . [email protected]