ثقافة الاعتذار ثقافة يرددها الكبير على الصغير، المعلم على المتعلم والأب على أبنائه، ولكن بدون أي شجاعة تجعلنا حين نخطئ نعترف بهذا الخطأ ونسارع إلى الاعتذار، قيمة الاعتذار تدل على شجاعة المعتذر واتزانه العقلي، فالقدرة على الاعتذار تقتل بداخلك كل عواصم الكبرياء، فالاعتذار حالة إنسانية قد لا يشعر بها إلا المعتذر، حالة تجمع بين العقل وحسن التصرف، لتصنع منك فردا يسلك تلك الدروب التي تجمع له بين النضوج والحكمة ليختار أميزها. يقول الفيروز آبادي رحمه الله: "الاعتذار على ثلاثة ضروب: أن يقول لم أفعل ويعتذر، أو يقول فعلت لأجل كذا فيذكره، أو أن يتوب من فعلته ويقول فعلت ولن أعود". الاعتذار سطر حضاري في كتابك الشخصي يدل على رقيك وسمو أخلاقك، يجعل من الخطأ وإن كبر أمرا بسيطا، الاعتذار يجعل النفوس أزكى، ويصنع لنا من الحياة طعما أجمل. الاعتذار من السلوكيات التي لا تعلم ولا تدرس، بل تنقل إلينا حين ترقرق بها شفاه ذلك الشخص الخلوق. يصفي القلوب ويرزق التواضع ويقوم تلك السلوكيات السلبية التي نقع فيها بشعور أو بدون شعور ولكن!! كل هذا وللأسف من الثقافة النادرة في عالمنا المعاصر، إذ نرى أن الاعتذار تقليل من الشأن وإذلال للنفس!! وقد ندرك في داخلنا أننا مخطئون ولكننا نكابر ونترفع عن إخراج كلمات حقٍّ؛ هي حق من حقوق الآخرين.. هذا السلوك لا يذكر في قاموس البعض ولا نسمعه من أحد إلا ما ندر، لا يمارسه أي مسؤول لدينا وقعت منه الأخطاء في حق الناس. وما يزيد الأمر قبحا هو عندما يكون الخطأ علناً والضرر كبيرا، ويصر أخونا في الله على عدم الاعتذار بكل بجاحة، كيف يمارس صغارنا ثقافة الاعتذار وهم يرون كبارنا لا يعتذرون بل ويترافعون بأنفسهم عن الاعتذار والعياذ بالله! يظل هذا الخلق نادراً في مجتمعنا، وهنا يمكن لنا فهم عدم اعتذار الموظف حين يخطئ لأنه يرى أن مديره لا يعتذر، وكذلك فإن هذا المدير مقتنع هو الآخر أن رئيسه لن يعتذر حين يخطئ وتمتد السلسلة! يقول محمد بن إسماعيل الإسحاقي: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه وكان الذي لا يقبل العذر جانياً يجب علينا أن نمارس الاعتذار بكل وضوح وثقة واتزان، وأن نتلقى الاعتذار بطيب نفس، وأن نعفو بكل محبة وصفاء نفس، ولنبادر بالاعتذار عند الخطأ ولنتقبل الاعتذار مهما كان قدر الخطأ.