يُكنّى به تاريخيًّا عن المُلك، ومن هنا قِيل: “إن الحجاج بن يوسف وطّد لبني أمية المنابر”، وهو كذلك عند أهل التأويل، وينقلون عن محمد بن سيرين قوله: “وأمّا المنبر فإنه سلطان العرب، والمقام الكريم، وجماعة الإسلام” أ.ه. وقال النابلسي: “والمنبر ولاية، وقهر عدو”. ولا منبر مثل منبره صلواتُ الله وسلامه عليه، قال أهل السير: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة في المسجد، وكان هذا الجذع بين مكان المنبر والمحراب أقرب إلى الاسطوانة المخلقة، ولما شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم القيام اتّخذ منبرًا يجلس عليه ويخطب، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة من الأنصار كان لها غُلام نجار يقول لها: “انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أكلّم الناس عليها” فعمل له هذه الدرجات الثلاث، وكانت هذه الأعواد من طرفاء الغابة، والغابة موضع كثير الشجر على بعد خمسة وعشرين كيلاً شمالي المدينة، وتُعرف الآن ب“الخُليل” بالتصغير. قالوا: ولَمّا وُلي الصديق -رضي الله عنه- الخلافة قام في خطبته على درجة المنبر الثانية، تأدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم”. قال الشيخ غالي محمد الأمين رحمه الله: ودرجات المنبر الشماء ثلاثةُ خشبها الطرفاءُ وظل هكذا في عهد الخلفا ونزلوا مكرمين المصطفى والمنبر اليوم تسع درجات، والذي زاده إلى هذا العدد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.. قال الشيخ غالي: صيره تسعًا كذا كساهُ نجل أبي سفيان إذْ علاهُ هذا والمفسرون عندما يأتون لتفسير قول الله تعالى: (... فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ ...) يذكرون الأيمان المغلّظة، ويذكرون أن منها التغليظ بالمكان، ويعظمون اليمين عند منبره صلى الله عليه وسلم، وقد قِيل في تعليل ذلك إن موضع المنبر محل للأجور، وليس محلاً للفجور”. وقد تعاقب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل الخلفاء، وكثير من الأمراء، والعديد من الأئمة والخطباء والعلماء، وأشدهم أثرًا وأعظمهم مهابة ممّن أدركنا فضيلة شيخنا الجليل عبدالعزيز بن صالح -غفر الله له ورحمه-، فما أطيب تلك الأيام، وما أجمل الحنين لتلك الأعوام. ولكن..... فليست عشياتُ الحمى برواجع عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا