فتاوى العالم الإسلامي لا نهاية لعددها. قبل عدد قليل من السنوات فاجأنا عالم دين مصري بإطلاقه لفتوى غريبة خاصة بإرضاع الكبير. بدت تلك الفتوى كنزوة أخلاقية صدمت المجتمع آنذاك، لكن الجميع اعتقد أنها فتوى عابرة مثل أي طارئ مجنون سينساه الناس مع الوقت أو بمجرد انتهاء الجدل حوله. فتاوى اليوم لا نهاية لجنونها في السنوات الأخيرة ازداد الجدل حول الاختلاط بين الرجال والنساء وحول قيادة المرأة للسيارات في السعودية وأحقيتها الركوب خلف المقود لا خلف السائق. وفي المقابل ارتفعت الأصوات المناهضة لذلك وأعلن قطاع واسع من مشايخ السعودية تحريمهم للاختلاط ولقيادة المرأة ورفضهم لها، لكن حجة المطالبين بها كانت قوية: إذ كيف يحرم الاختلاط في عصر يصعب فيه الفصل بين الجنسين؟ ومن ناحية أخرى، كيف تسكن المرأة مع سائق لا يعتبر محرماً لها في منزل واحد؟ وكيف تركب السيارة في شبه خلوة مع رجل لا يمت لها بأي صلة؟ الأمر محرم شرعاً. أمام هذا الضغط يخرج أحد رموز الدين في السعودية قبل أسابيع عدة ويطرح فتوى تتبع خطى الفتوى المصرية الأولى. للمرأة أن ترضع الرجل كي يصبح محرماً لها، ويعني ذلك أنه سيجوز لها الركوب معه في سيارة واحدة ومخالطته والعيش معه ببيت واحد. ولم تدقق الفتوى بالتفاصيل، أي لم تبين إن كان على المرأة أن تكون محجبة أو منقبة أثناء الإرضاع ؟ وما إذا كان الأمر يتطلب وجود شهود لضبط العملية في إطار الرضاعة فقط؟ وهل ستوثق هذه الرابطة الجديدة؟ أي هل ستصبح قانونية فيسجل في المحاكم بأن فلانة قد أرضعت الرجل فلان؟ وهل سيعني ذلك بداية الاعتراف الديني بإجازة وتشريع علاقات جديدة بين المرأة والرجل كانت محرمة سابقاً؟ هكذا. لكي نبعد المحظور الأكبر وهو الاختلاط عن كاهل المناهضين له باعتباره حراما كبيرا يقود لعظيم الموبقات، سيباح حليب المرأة لكل رجل يعمل لديها. عشرات الرجال سيقتربون من جسدها، سيلمسونه ويتذوقون حليب صدرها لتتحقق صلة الحرمانية بينها وبينهم، مع افتراض انقطاع الشهوة الكاملة بين المرأة والرجل أثناء تنفيذ ذلك. ومع افتراض مباركة رجلها للأمر وعدم اعتباره خيانة بل إن عليه المشاركة بهذا الواجب الإنساني ذي الأبعاد النبيلة والنوايا الطيبة. ومع الافتراض الأكبر وهو مباركة المرأة وإعلان موافقتها ووهب جسدها ومحتواه لكل مارق وعابر لتنفيذ شرع فتوات الأمة. لكن وبعد الهجوم الكاسح ومطالبات عديدة بالتراجع قال الشيخ بأن القصد هو أن يشرب الرجل من حليب المرأة بطريقة غير مباشرة خمس رضعات، وأنه استثنى الخدم والسائقين (لا أعلم لماذا) كما أكد ردا على منتقديه بأن «بعض الذين يقولون انه لا حاجة لهذه الفتوى في هذا الزمن فلأنهم لا يمانعون من دخول غير المحارم من الرجال على نسائهم وبناتهم وهن متبرجات سافرات واما الذين يلتزمون بالحشمة والعفاف والغيرة فإنهم يحتاجون الى هذه الفتوى في هذا الزمن مثل ما احتاجها السابقون» أما تمسكه الأكبر فكان بقصة سالم مولى أبي حذيفة وبحديث عائشة زوج الرسول وغير ما ذكر عن فتوى إرضاع الكبير بكتب ابن تيمية. وبرأي الشيخ فإن هذه الفتوى لا تختص بزمن معين بل تصلح لجميع الأزمان. ربة العمل سترضع موظفيها، والعاملة سترضع زملاءها وسنغدو جميعاً أمهات وأبناء وإخوة وأخوات بالرضاعة. تطرف بعض رجال الدين يتجه نحو العكس، نحو شيء غير معهود، لم تعهده حتى المجتمعات الغربية. شيء عكس التشدد تماماً. الموضوع طريف وممتع رغم أن واقعه مشمئز ومقرف. تصريح علني مخيف وتحليل علني لممارسة الحريات الخاصة على طريقة هي أكثر من بدائية. لا تستغربوا إن تم تطبيق هذه الفتوى. فكل شيء أصبح جائزا في العالم الإسلامي. الدليل أننا نشهد زيجات جديدة كانت منكرة بالأمس واليوم وربما غداً سيعلن عن شكل حديث للرضاعة كل ذلك لأن أغلب الفتاوى تصب في زاوية واحدة وهي العلاقات بين الرجال والنساء. ولهذا فالمرأة مقصودة باستمرار. تارة تطالب بإخفاء جسدها وتارة أخرى بكشفه أو الغرف منه دون خجل أو حياء ودون أن يكون لها أي رأي وأي حق بالتدخل بجسدها ومتطلباته الشخصية. فتوات الفتوى يأمرون. يحكمون. يقررون. الحب حرام. النظرة فجور. الغزل منكر. أما الإرضاع فحلال. حلال. حلال.