ممَ تعاني الكويت؟ ولماذا ينتقل المجلس من استجواب إلى استجواب؟ كيف يمكننا الخروج من هذه المصيدة السياسية؟ قبل أكثر من عام، في 2009/4/26، نشرت صحيفتا "الشرق" العمانية و"النهار" الكويتية مقابلة مطولة مع وزير الإعلام والنفط الكويتي الأسبق، وسفيرها لدى الولاياتالمتحدة لسنوات، وبخاصة خلال فترة عدوان أغسطس 1990، الشيخ سعود الناصر الصباح. فكيف نظر إلى الواقع الكويتي، وبمَ علل مشاكل هذا الواقع؟ الكثير مما جاء في المقابلة لا زال مهماً كويتياً وخليجياً. كان السؤال الأول: هل ما يجري داخل مجلس الأمة الكويتي هو لمصلحة البلد، أم أن هناك شخصانية؟ وكان جوابه:"أقولها للمرة المليون، التقصير ليس من المجلس وإن كان فيه مشاكسون أو نواب تأزيم عددهم خمسة أو عشرة أعضاء، لكن عندنا خمسين عضواً فهل كلهم مشاكسون وكلهم نواب تأزيم، فما ذنب الأربعين الباقين الذين يعملون لمصلحة البلد ويتعاونون مع الحكومة؟ أنت تبني رأياً ضد مجلس الأمة بناء على أن بعض النواب، لا يعدون على أصابع اليد الواحدة، أصواتهم عالية ويسمونهم نواب تأزيم. فالمشكلة ليست في مجلس الأمة، المشكلة في الحكومة، وإذا كنت تلقي باللوم نسبة وتناسباً، فإن 70 في المئة تقصير من الحكومة، و30 في المئة على المجلس. والآن من منع الحكومة من تنفيذ برامج تنمية في البلد؟ لا أحد. وللأسف نخرج من مطب إلى مطب، وهذا كله بسبب الاستجوابات، والمادة 100 من الدستور تعطي للنائب الحق في أن يستجوب رئيس الوزراء والوزراء". وأضاف الشيخ أن "الحكومة طرف أساسي في التعطيل". وقال إجابة عن سؤال ماكر حول "تصدير ديمقراطية الكويت" بوضعها الحالي إلى دول الجوار"...نحن لا نصدر ولا نستورد"! وسئل: دول الخليج تعتبر التجربة الكويتية نموذجاً، لكنها تتخوف الآن من الإقدام على أي خطوة ديمقراطية في ظل ما يُشاهد في الكويت. لدينا عيوب في الدستور وفي اللائحة الداخلية وفي قانون الانتخابات. يجب أن يعاد النظر فيها حتى تستقر الأمور. نحن بدأنا بعشر دوائر ثم انتقلنا إلى 25 دائرة، ثم عدنا إلى خمس دوائر، وهناك مطالبات بأن تكون دائرة واحدة. وجئنا إلى موضوع مكافحة وتجريم (الفرعيات)، وهذه أشياء تخبط في تخبط، ويجب أن يجلس العقلاء ويضعوا يدهم على العيوب وندرسها ونصل للأصلح، وأنا اقترحت إجراء الانتخابات وفق نظام دائرة واحدة، فعدد الناخبين قليل". ماذا عن السماح للأحزاب في البرلمان؟ "نحن عندنا أحزاب، موجودة تحت مسميات أخرى، والدستور لا يجيز ولا يحرم الأحزاب". ثم أضاف: "إن إشهار الأحزاب معناه أنك دخلت مرحلة أخرى من مراحل الديمقراطية بتشكيل حكومات وفق الأكثرية، وفي اعتقادي الشخصي أن هذه الخطوة مبكرة. الظروف الحالية وظروف المنطقة ككل لا تؤهل لاتخاذ هذه الخطوة. نحن محاطون بدول كبرى وبمشاكل سياسية كبيرة. وكما تم اتهام صحف لأنها تعمل للخارج، فالخوف من الأحزاب أن تكون لها ميول أو تعمل مع تيارات أو أنظمة.. عندنا أمور ملحة أكثر من مسألة الأحزاب". وسئل عن حقيقة الاتهامات بوجود ولاءات خارجية عند بعض التيارات، وكان جوابه: "ليس عندنا ولا أعتقد أن هناك ولاءات خارجية عند أي مواطن كويتي مرتبط بوطنه وبلده وأسرته. قد تكون هناك ميول أو تعاطف ولن نستطيع منعها، لكن ولاءات لا". كان الشيخ سعود الناصر قد صرح قبل سنوات، في مقابلة صحفية بأن الكويت مختطفة من قبل التيار الديني. وفي مقابلة "الشرق" و"النهار" سئل: قلت إن الكويت مختطفة من قبل قوى داخلية. فأجاب: "داخلية نعم... لأنه بعد التحرير أصبح هناك نفوذ لبعض التيارات داخل الكويت طغى كثيراً على مصالح الكويت الداخلية وبرامج التنمية الكويتية والحريات، وأصبحت الأسرة الكويتية مُسيَّرة، وليست مخيرة في حياتها اليومية، ومرت بنا مرحلة شهدت نفوذاً لهذه الجماعات". ويرى الشيخ في بعض التطورات داخل المجتمع الكويتي ملامح تراجع للتيار الديني والإسلام السياسي. ويقول إن هذا التيار قد تراجع كثيراً في الكويت "لأنه أصبح هناك وعي، وأصبح هناك إظهار لواقع هذه التيارات الموجودة ولتوجهاتها وخططها تجاه تقليص الحريات في الكويت. وبالمناسبة فإن الصحافة تلعب دوراً في تضخيم هذه التيارات. الآن الشعب الكويتي أصبح أكثر وعياً، ولاحظ نتائج الانتخابات السابقة، وكيف تقلص حضورهم ودورهم وعددهم في المجلس، وستلاحظ في الانتخابات القادمة المزيد من تقلص وجودهم لأن الأكثرية وعت الموضوع بعدما كانت مغيبة. نحن الآن في العام 1430ه وما زلنا نناقش مفهوم الشريعة ودستورنا، وضع قبل أكثر من أربعين سنة، وما زلنا نناقش مواده". ونفى الشيخ سعود الناصر، وجود شيء اسمه "حل غير دستوري" لمجلس الأمة، وهناك مادة في الدستور تبين آلية حل المجلس. ودعا إلى تعديل اللائحة الداخلية وقانون الانتخابات، "فواحدة من الدوائر بها مئة ألف ناخب ودائرة بها 40 ألف ناخب. لا توجد عدالة أن تعطي الأول عشرة نواب وتعطي الثاني عشرة نواب". ولهذا طالب بزيادة أعضاء المجلس، لأنه "في عام 1962 كان تعداد الشعب الكويتي 300 ألف يمثلهم خمسون نائباً، الآن نحن نزيد على المليون ولا نزال خمسين نائباً أيضاً، نحن نحتاج إلى إعادة نظر في هذا الموضوع. إعادة نظر في عدد النواب وإعادة نظر في عدد الدوائر". وطالب الشيخ سعود بالوحدة الخليجية، "لأننا لا نستطيع أن نعيش للأبد كدول صغيرة". وأضاف، أنه كان لدى أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح توجه للبدء في توحيد شركات الطيران وبخطوات اقتصادية أولاً، كدمج العملة وفتح الحدود لتكون شبيهة بالنظام الأوروبي، "لكن عندما اجتمعنا مع الأشقاء كلجنة وجدنا أن هناك تحفظات في ذلك الوقت على الانفتاح الذي كنا في الكويت ندفع نحوه". ودعا دول مجلس التعاون إلى تأسيس جيش مشترك وإنفاق موحد على التسلح". الشيخ سعود تحدث مرة أخرى في إحدى الديوانيات، وقال "إن الكويت تعيش حالياً فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية". وأكد بأن "هناك قناعة داخل الأسرة الحاكمة بالوثيقة الدستورية". ودعا إلى توسيع نطاق اجتماع الأسرة الحاكمة "ليضم رموزاً من التيارات السياسية لأخذ الرأي ولتوسيع قاعدة المشورة"، كما طالب بتوسيع عضوية مجلس الأمة "نظراً للزيادة السكانية التي شهدتها البلاد منذ إقرار الدستور"... قد نتفق مع "الشيخ سعود الناصر" وقد نختلف، ولكن ما قاله تفكير شجاع بصوت عال، تمنينا أن يتسع إطاره في كل دول المنطقة!