محمد صادق دياب - نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية ليس ثمة شك في أن الموقف التركي - حكومة وشعبا - كان مشرفا خلال أزمة قافلة الحرية، إذ كان الصوت التركي هو الأبرز، والدم التركي هو الأكثر سخاء، ولا يقلل من هذا الموقف منصف أو عاقل، فتركيا قد أقبلت - خلال السنوات الأخيرة - بثقلها على المحيطين العربي والإسلامي، وهي في إقبالها تشكل إضافة هامة لتحريك الكثير من المياه الراكدة حول القضايا الكبرى في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ويبقى السؤال: كيف سنتعامل كعرب مع هذا الإقبال التركي؟ هل سندخله في دوائر الاستقطابات الجزئية، ودوامة الخلافات العربية؟ أم ندخره صديقا مستقلا وداعما لقضايانا المصيرية الكبرى؟ الذين يعرفون الملامح النفسية للشخصية التركية يعلمون أنها شخصية جادة، وعملية، وذات التزام بما تؤمن به، وهي صفات، وسمات، ومزايا إيجابية، تسهل فهمها، وتجعل التعامل معها أكثر وضوحا، وأقل تعقيدا، وهذا ما لم تفهمه إسرائيل في سلوكها المراوغ تجاه تركيا، فخسرتها، وقد يكسبها العرب - وهم الأجدر بكسبها والأحق - إن أحسنوا التعامل معها على أسس من الوضوح، والصدق، والمصلحة المشتركة، وأن ننأى بها عن خلافاتنا العربية البينية، وعداءات بعضنا المجانية تجاه الكثيرين، فمن مصلحة تركيا أن تكون على مسافة واحدة وقريبة من كل العرب، كما أن توقعاتنا منها يجب أن تتسم بالواقعية، بعيدا عن الاستغراق في اللامعقول، وتحميل الدور التركي أكثر مما تحتمله التزامات تركيا، ومصالحها، وتعهداتها. فتركيا التي أدارت وجهها طويلا تجاه الغرب، كانت لها في ذلك قناعاتها، وأهدافها، واجتهاداتها، وهي حينما تعيد اليوم توازن توجهاتها بين الشرق والغرب، فإن على العرب مسؤولية دعم هذا التوجه، عبر تكثيف وتعميق المصالح الاقتصادية المتبادلة، والفهم السياسي المشترك، والصلات الثقافية، فتركيا جارة، يمكن نعتها - وفق معايير عصرنا - بالجار الآمن، الذي ليس له أطماع توسعية، ولا نزعات عدائية، وهذه مزية تجعل لتركيا في علاقتها مع العرب خصوصية مشجعة على توسيع نطاق التعاون التركي العربي ليمتد إلى مختلف المجالات. وباختصار يمكن القول: هذه تركيا مقبلة على محيطها الشرق أوسطي، لتلعب دورا فاعلا، وعادلا، وأمينا، ومن الوفاء أن تعامل بكل ما يستحقه دورها من إكبار وتفهم وتقدير، فهل نفعل؟