د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية في ظل التغاضي عن الجرائم الإسرائيلية على مستوى الدول العربية وغيرها, فقد أضحت القرصنة البحرية سلوكا لإسرائيل تمارسه بكل جرأة, حتى حولت سفن الحرية عن مسارها, واقتادت ركاباً بالمئات إلى أراضيها, وكأن العالم يشاهد حالة حرب في سفن تقل مؤناً إغاثية! وبهذا تطورت جريمة القرصنة من كونها جريمة تمارس من أفراد, إلى جريمة تمارس على مستوى دول! وحيث إن هذه الجريمة من دولة عنصرية متمرسة على ركل حقوق الإنسان بطرف الحذاء الإسرائيلي, وامتصاص الدماء البشرية, فإن الأسلوب السلمي معها لم يعد يجدي نفعاً, بل إن إصدار القرارات ضدها بالإدانة, لا يعدو أن يكون ضرباً من العبث, وتضييع الوقت, إلا فيما يحقق أثراً على أرض الواقع بالملاحقة القانونية ضدهم كمجرمي حرب. إن القرصنة البحرية موغلة في القدم, وقديماً حكى الله تعالى عن قرصنة ملك من الملوك, كان يمارس القرصنة ضد السفن السالمة من العيوب, لغرض سرقتها, والسطو عليها, كما حكى الله تعالى ذلك في سورة الكهف, بقوله: «أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا», فهذا الملك القرصان وجنوده المستغلون لضعف المساكين, والمنتهزون فرصة عجزهم عن المقاومة, هم سلف مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين استعرضوا بعضلاتهم ضد المدنيين العزل, بل إن هؤلاء الإسرائيليين أشد جرماً بقتلهم المدنيين واعتقالهم والتنكيل بهم. فماذا كان موقف الخضر ذلك الرجل الصالح من سلف هؤلاء الإسرائيليين؟ لقد كان موقفه إيجابيا وذكياً, وذلك بنسج حيلة يسلم بها المساكين - ملاك السفينة - من قرصنة ذلك الملك اللص, وذلك بخرقه السفينة, لئلا يلتفت إليها الملك القرصان..! والموقف المشرف لأردوغان الساعي في معاقبة إسرائيل, وإنقاذ الركاب المدنيين, يذكرنا بموقف الخضر الذي أنقذ ملاك السفينة المساكين, حيث قال: «فأردت أن أعيبها..» وفعلاً خرقها, فرقّ لذلك موسى عليه السلام - وهو نبي اليهود فقال «أخرقتها لتغرق أهلها؟! لقد جئت شيئا إمرا», وحين اتضح له مقصود الخضر ظهر له حسن صنيع الخضر, وها هم اليهود يتنكبون تعاليم نبيهم, كما هم دوماً أعداء الأنبياء والرسل! لكن هل إسرائيل وحدها في لائحة الاتهام؟ بالنظر إلى الجرائم في النظر الفقهي والقانوني نجد أنها تنقسم إلى قسمين رئيسيين: 1 جرائم إيجابية: وهي الجرائم التي ينتهك فيها أمر ممنوع, مرتب عليه عقوبة, إما بالشرع وإما بالنظام والقانون, ومن أمثلتها القرصنة البحرية, فكل الشرائع والأنظمة والقوانين التي تمنع الظلم, وتسن العدل, فإنها تجرم القرصنة البحرية, وتعدها سلوكاً إجرامياً موغلاً في الإجرام. 2 جرائم سلبية: وهي الجرائم التي ينتهك بها أمر واجب, كالامتناع عمداً وعدواناً عن إمداد الجائع بكسرة خبز تسد جوعته مع القدرة على ذلك, حتى يموت جوعا, فهذه جريمة تجرمها كل الشرائع والأنظمة والقوانين, وفي الحديث الشريف «دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها, ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض», هذا في هرة, فكيف بشعب أعزل يحاصر في لقمة عيشه؟ فإذا انضم إلى الجريمة السلبية جريمة إيجابية بالحبس, وفرض الحصار, زادت الجريمة, وتضاعف أثرها, وهنا أتساءل: ألا يدخل في لائحة الاتهام كل الدول التي فرضت الحصار, حتى اضطر الشرفاء إلى كسر الحصار عبر السفن البحرية؟