بدرية البشر - نقلا عن صحيفة الحياة ليل ما قبل البارحة كان ساخناً في تعاطيه مع خبر استقالة رئيس تحرير صحيفة «الوطن» جمال خاشقجي، ففي الليلة ذاتها سقطت في جيوب الهواتف المحمولة عشرات الرسائل المختصرة والمفصّلة التي تؤكد أن جمال خاشقجي قد استقال، وتعاضدت الأخبار بمصادر نشر الخبر في المواقع وأكدت صحته من مصدر مقرّب، ثم ختمها أبوعزيز «الشرير» بتوزيع التهاني والتبريكات. لماذا تثير استقالة رئيس تحرير «الوطن» كل هذه الجلبة؟ هل لأن الصحافة السعودية لم تعرف هذا النوع من الاستقالات مقارنة بالصحف التي يعمر فيها رؤساء التحرير، كما رؤساء جمهوريات عربية؟! أم لأن صحيفة «الوطن» تمارس رفع سقف حرية التعبير وتبنّي قضايا الرأي العام وتتصدى لقضايا لا تتصدى لها بعض الصحف المحلية؟ أم لأن جمال خاشقجي نفسه حكاية أخرى لكونه صاحب أقصر عمر رئيس تحرير حين تولى عام 2004 رئاسة تحرير الصحيفة نفسها، إذ لم يمض عليه خمسون يوماً حتى طار من منصبه، ثم عاد إليه في عام 2007 ليجلس ثلاث سنوات ويدشّن مع صحيفته مرحلة جديدة، فهل هذا هو سبب تلك الحكاية التي لم ينم منها موزعو الأخبار وناقلوها ليلة ما قبل البارحة؟ هل ما قام به جمال خاشقجي هو مجرد مغامرة شخصية لا بد وأن لها ثمناً يدفعه عادة أصحاب المغامرات الصحافية؟ أم أن جمال خاشقجي كان مجرد رئيس تحرير من الجيل الثاني يفهم الدور الصحافي النقدي الرقابي في شكل مختلف عما يفهمه حرس قديم من رؤساء تحرير الصحف السعودية؟! هل ترك جمال خاشقي منصبه كما قيل لأنه يريد أن يتفرغ لأعماله، أم أنه اضطر لتركه بعد ثلاث سنوات؟! «النيو ميديا» أو الإعلام الجديد اليوم هي من قامت في زمن قصير بنشر وتغطية حدث استقالة جمال خاشقجي ليلة ما قبل البارحة ولا تزال تغطيه حتى ساعة كتابة هذه المقالة، هذا لأن الإعلام الجديد هو إعلام لا يمكن التحكم في محتوى ما ينشره ولا ما يفكر فيه ولا في مصادره المعرفية، وهذه «النيو ميديا» المفترض أنها تخدم الصحافة الورقية والإلكترونية الناضجة بالميل إلى نشر قضايا الرأي العام التي يقوم بصياغتها الكتّاب والقراء والمثقفون والإعلاميون، لتصبح صوتاً مؤثراً وليس صوتاً للمؤسسات الرسمية فقط. يفترض أن ينمو سقف التعبير ويتوسّع كمنظومة جديدة وفق قوانين وأنظمة تشرف عليها وزارة الإعلام لتحمي هذه التطورات لا أن تجعلها مجرد مغامرات فردية، وأن تحمي هذه المهنة الصحافية والإعلامية. حينما تقرر صحيفة ما أن تكون صوتاً للناس فإنها تقرر أن تكون بالضبط في سياق مهمتها الصحافية التي هي النقد والكشف والمراقبة، وهذا هو الدور الإعلامي المهني الصحيح الذي يجب أن تلعبه الصحافة بل الذي من أجله ولدت، لهذا يسمونها في الغرب «السلطة الرابعة».