* أهلاً بكم في «مقتطفاتِ الجمعة» رقم 352. *** * حافزُ الجمعةِ: الرجالُ العظامُ هم من يقفون بشجاعة الفرسان، وبشهامة الضمير، وبأصالةِ الإنسانيةِ، وعمق الإيمان، ولو تطلبَ الأمرُ أن يكونوا وحيدين ضدّ التسلط المتعسِّفِ، ضد الأنانيةِ الشريرة، ضدّ القوّةِ المتعديّةِ، ضدّ صلفةِ الغرور، ضدّ انعدام الشعورِ والإحساسِ بالآخرين، ضدّ الشيطان .. ضدّ الفسادِ! *** * موضوع الجمعة: محاربةُ الفسادِ ليست مسألة خيار إنها مسألة مصير، محاربة الفساد هي البقاء ذاته كدولةٍ وكأمة، محاربة الفساد ليست مجالاً لوعظِ ولا استدلال، ولا مجاملة، ولا أخذَ ولا اعتدال .. هذا النوعُ من المواجهة لا يتطلب وقْفَة حتى للتأمل بل يجب أن يُصعَق من جذوره من أول ظهورهِ ورقةً صفراء داميةً فوق أديم الأرض.. ولا يحق لأحد مدخلاً نحو الفساد أيّا كان .. هل تعرفون لماذا؟ ليس فقط من أجل المجتمع والبلاد، لأن الفسادَ سيكون دوماً كالهواءِ المسموم يقتل الجميعَ بمن فيهم من أطلَقَهُ! *** * تجمعت عندي أسئلة كثيرة من قرائي الأحباب، وسأحاول أن أجيب عن بعضها هنا، وأستأذنكم في أن نخصِّصَ مقتطفاتٍ شهريةً للإجابة عن أي أسئلة يطرحها القراء في أي مجال، إن استطعنا الإجابة عنها بالاستعانة بالخبرة والمراجع .. فما رأيكم؟ *** * من «حفيظ الرحمن» وهو باكستاني يدرس التاريخَ الإسلامي، ورسالته بعربيةٍ جميلةٍ وفصيحةٍ ناصعة: «وأنا أقرأ في تاريخ العراق لفتني ما يسمى بثورة الزنوج فما هي ولمَ صارت بالأساس؟». تسمى «ثورة الزُنج» يا حفيظ، وقامتْ في القرن التاسع الميلادي، ودعني أخبرك ما السبب: الإقطاع! نعم «منحَتْ» الخلافة العباسية الأراضي للتجار والوجهاء بحجة الإنماء، ف «استقدمَ» هؤلاء بدورهم العاملين من زنوج من شرق إفريقيا لقلةِ الأجور(!)، وساموهم العذابَ، وخسفوهم الأجورَ، ولقهرهم اتبعوا دعوة «علي بن محمد» الذي ادعى نسَباً علَويا، وكان الخليفة «المعتمد» غارقاً في الملاهي والفساد، فغفل عن ثورة الزنج، فتوطدوا في البصرة، وأعملوا فيها سيوفَهم، وحين تصدى لهم الجيشُ العباسي أبدوا شجاعةً راحت تروى كالأساطير، واستسلمت لهم مدينة «عبَدان»، وطاحتْ تحت بأسِهم مدينة «الأهواز»، وتوسعوا حتى وصلوا تخومَ بغداد .. حتى جاء «الموفَّق» شقيقُ «المعتمد» وكان أكثر يقظة وصلاحاً، وحاصرهم في عاصمتهم «المختارة» - وعلى فكرة؛ الحياةُ الاجتماعية في «المختارة» فيها غرائب نادرة، ربما وصفتها يوما - ومنع عنهم الطعامَ حتى أسقطهم الجوع، وسقطت «المختارة» في عام 270ه، ورُفِع رأسُ «علي بن محمد» على قناةٍ .. وبقيت مركوزة لا تُمَس لسنواتٍ تُرعِبُ من لا يرتعِب! *** * ومن «غادة الكيلاني»- جامعة الأردن: «هل صحيح ما يقوله «غوستاف غوبون» بأن العربَ انتهوا وقام على أنقاضهم الغربُ قبل نهاية منتصف القرن العاشر؟». انظري يا غادة إن كان يعني انحسارَ العرب عن صقلية وشرق البحر المتوسط فهذا صحيح، ولكن في القرن التالي أي الحادي عشر الميلادي انتفض المسلمون، وظهرت دولتان لمعتا في التاريخ العربي، وربما تكلمنا عنهما يوما بإسهابٍ أكثر، وهما دولة «المرابطين» ثم دولة «الموحدين» اللتان أعادتا لفترةٍ من الزمن للأندلس والمغرب مجدَهُما القديم, وتمكن «صلاح الدين» من الانتصار على الصليبيين وطردهم، فتوحدت الشام ومصر (وهذا كان أول أحلام الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر؛ اتحادُ الشام ومصر.) ثم تمت السيطرة كاملةً على أنحاء البحر المتوسط وشرق أوربا وبعض جهاتِ روسياالغربية والجنوبية على أيدي الأتراك العثمانيين. ولكنها يا غادة.. صحوةٌ لم تلبثْ أن خبَتْ! *** * أنا طالبٌ مبتعَثٌ، وأسكن عند عائلة إيرلندية، فتحتُ معهم نقاشَاً حول الإسلام، وسبق أن قرأتُ لك أن أفضل دخول للإقناع في الإسلام هو الاستدلالُ بكُتّابٍ غير مسلمين، وماتوا على غير الإسلام، فهل تساعدني بإعطائي شخصا ودليلا؟». كنتُ أود لو تركت لي اسمَك. على أي حال، بما أن العائلة إيرلندية، فمن أفضل من «برنارد شو» المفكر الإيرلندي الأشهر؟! فقد كان مُعجباً حتى الولع بشخصية النبي - محمد صلى الله عليه وسلم -، ومعجبا أشد الإعجاب بتعاليم الإسلام، وقال في بعض ما كتب، أنقلها من الإنجليزية: «أما أنا فإني أرى «واجباً» أن يدعى «محمد» منقذ الإنسانية، وأعتقد أن رجلاً مثله لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته وأحل فيه السلام والسعادة .. وما أشد حاجة العالم إليهما». وكان ينوي كتابة مسرحية كاملة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - وخاف ألا يتقبل العالمُ المسيحي ذلك فتراجع. أطلب منهم أن يقرؤوا مقدمته لمسرحية «معضلة الطبيب»، ومسرحية «عودة إلى متوشاله»، ومسرحية «جان دارك»، ومسرحية خاصة باسم» الفتاةُ السوداءُ تبحثُ عن الله». وكذلك أثنى مواطنه «أوسكار وايلد» على رسولنا الكريم ولكن المساحة ضاقت، وقد أرسلت لك بريدا حول ذلك بالإنجليزية. * .. والمُهم: أحبّ معالي الأخلاق جُهدي وأكرَهُ أن أعيبَ وأن أُعَابا وأصفحُ عن سبابِ الناسِ حلما وشرّ الناس من حبَّ السبابا ومن هابَ الرجالَ تهيَّبوهُ ومن حقَرَ الرجالَ فلنْ يُهابَا في أمان الله..