نظم قسم الخدمة الاجتماعية في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني في جدة، ندوة بعنوان «الخدمة الاجتماعية وصحة الأسرة في مجتمع متغير»، شملت عدداً من المحاضرات حول المفاهيم المهمة لتشكيل وعي الأسرة للتعامل مع التحديات، واستعانتها بفهم رشيد لهذه التغيرات وحسن التفاعل معها تفاعلاً إيجابياً، وعلى رغم أهمية ما طرح في المحاضرات من مفاهيم قانونية ونفسية واجتماعية، إلا أن الآثار الطبية لزواج الأقارب التي تطرق لها الدكتور عبدالناصر الهلالي طبيب الأمراض الوراثية تحتاج إلى وقفة، خصوصاً عندما سألت الاختصاصيات عن كيفية التعامل مع جهل المريض الذي لا يفهم ماذا يعني أنه وزوجته يحملان مرضاً وراثياً مثل الأنيميا المنجلية أو التلاسيما أو حتى الإيدز، كما في حالة شاب أصر على الزواج، ثم بعد أن رأى ابنه يتألم قال للطبيب: «ليتكم سجنتوني لمنعي من إتمام هذا الزواج». سألت الاختصاصية ماذا لو كنت أخذت الشاب إلى غرفة أطفال مصابين بالمرض ليرى بعينه حجم الخطورة بدلاً من أن ينتظر ليراه في صحة ابنه، قالت لي: وماذا تقولين في أم وأب لديهما ستة أطفال مصابين بالمرض نفسه لكنهما يرفضان التشخيص العلمي الذي يحضهما على عدم تزويج ابنتهما لقريب حامل للمرض، ويصران على تفسير ما يحدث بأنه إرادة الله، ويجب ألا نقف في وجهها؟ شاب آخر قال إنه لم يستطع رفض الزواج بابنة عمه لأن هذا يوقعه في العار والعيب وقلة «المَرْجَلة»، لكنه يخاف الآن من فكرة الإنجاب منها. هذا غير الشاب الذي تزوج وهو مصاب بالإيدز، وهو على علم بمرضه، لكنه تزوج ونقل المرض لزوجته وابنه، ما حدا بواحدة من الحضور إلى أن تتساءل: ألا يعاقب هذا الرجل على ما فعله من جريمة؟ يبدو أننا نحتاج فعلاً إلى تنظيمات لوقف الجرائم التي يتسبب فيها بعضهم، فليس من الديموقراطية واحترام الآخر أن يترك رجل جاهل غير جدير بالمسؤولية ليتصدى لقرار جرَّ عائلته للوقوع في أمراض لا تكلف الدولة ملايين الريالات فقط، بل تكلف أرواحاً. وليس من الديموقراطية وحرية اتخاذ القرار ترك الناس يعيشون الجهل وسطوة تقليد مجوف من العقلانية ليقوموا بزواج يعرفون أن نتائجه أطفال مصابون بمرض وراثي مؤلم. الحل أن تتشكل لجان من أطباء واختصاصيين نفسيين واجتماعيين وفقهاء. هذه اللجنة هي التي تقرر عقلانية الزواج من عدمه. أما إلزامية الكشف قبل الزواج من دون إلزامية الأخذ بنتائجه الوقائية فهي مضيعة لوقت وجهد المجتمع والدولة. تساءلت إحدى الأكاديميات: أين باب سد الذرائع الذي تجاوزنا بإقحامه في حياتنا كل مقحم؟ لماذا لم يُفعَّل هنا ما دام هو الذي سيحمي الناس من الوقوع في أمراض خطرة يورثها آباء جهلة لأبناء أبرياء؟