إذا كنت مثلي من مشتركي خدمة الاتصالات السعودية، فلا بد وأن تكون من الذين يتلقون على جوالهم على مدار الشهر، عشرات الرسائل التي تسوّق للخدمات الدينية مدفوعة الثمن. وطبعًا فإن الخدمات المذكورة تغطي كل المجالات التي يمكن أن تخطر لك على بال، ابتداءً من الفتوى، ومرورًا بالأدعية الصوتية، وبمقاطع وآيات مسجلة بأصوات أشهر القراء، وانتهاءً بالألغاز الفقهية، وما شابه ذلك من أمور تدخل في نطاق ما يمكن أن نطلق عليه: الترفيه الديني!! لقد بلغت المتاجرة بواسطة الدِّين حدًّا لا يمكن تصوّره. مَن يصدق أن آيات القرآن الكريم والأدعية والفتوى أصبحت سلعًا خاضعة لمعايير السوق التي تقضي بتسعير كل سلعة حسب معطيات العرض والطلب؟! من يصدق أن مجتمعنا قد بلغ هذا الحد من السذاجة حيث يُقبل البعض ولا أعتقد بأنهم قليلون، على الاشتراك في هذه الخدمات مساهمين بذلك في تكريس ظاهرة المتاجرة بالدّين عن طريق أحدث أنواع التجارة، وأعني بها تجارة الخدمات؟! هل العيب في رجال الدّين الذين يعملون على تأسيس هذا النوع من الخدمات الهاتفية مدفوعة الثمن، أم أن العيب في المجتمع الذي يعتقد أن الطريق إلى مرضاة الله تمر عبر ذبذبات الجوال، وأن السبيل إلى العلم يمر عبر الخدمات الهاتفية؟! لقد كان الناس قبل عدة عقود يطلبون العلم والمعرفة بالدّين من البرامج التلفزيونية بدلاً من القراءة والبحث في بطون الكتب. أمّا الآن ومع ازدهار ما يسمّى باقتصاد الخدمات، فإن الناس هجروا الكتاب لصالح الخدمات الهاتفية التي تقدم الدين العظيم في كبسولة (عصرية) لا تغني ولا تسمن من جوع. وهي ظاهرة خطيرة جدًّا لأنها تؤدي إلى الاستسهال والتسطيح والتشويه. لكن الأخطر من كل ما سبق يتمثل في إخضاع الدِّين إلى قوانين لعبة الاستهلاك وشروط ثقافة السوق. وهو الخطر الذي يمكن أن يمهد لعصر جديد يتم فيه تسليع الدِّين وتسويقه، وكأنه منتج استهلاكي الغرض منه جني الأموال والأرباح الطائلة. تصوّروا لو أن المجتمع المحافظ المهتم بالدّين قد اكتفى بأدوات مثل رسائل الجوال مدفوعة الثمن كأدوات للتثقيف الدّيني؟ تصوّروا ما الذي يمكن أن تكون عليه نوعية الفكر الدّيني السائد لدى الناس؟! مجتمع كهذا لا بد وأن يكون مستعدًا لتقبّل الفتاوى والأفكار الشاذّة، أو عدم معارضتها في أحسن الأحوال.