العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأعمال والأقوال، والعباد ما خُلقوا إلا لعبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» الآية، هذا هو الغاية من خلق الإنسان، فكل ما يفعله الإنسان المسلم ويُقدم عليه وليس فيه محذور شرعي يدخل في عبادة الله التي يؤجر عليها متى ما صلحت النية لذلك، والمسلم ليس بينه وبين ربه حجاب ولا وسيط، كما هي الحال عند بعض الديانات، فكل إنسان مسلم يستطيع أن يعبد ربه ويتقرب إليه في كل حال ووقت من دون تحديد جدولة وأجندة لذلك! هذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة، وهو من مسائل العقيدة التي لا تقبل الجدال والمراء، ولكننا في هذا الزمان، خصوصاً في السنوات الأخيرة وفي خضم امتلاء الفضاء بالفضائيات التجارية، بليت المجتمعات الإسلامية - ومجتمعنا من بينها - بفئات من الناس الذين لبسوا ثوب الدين والتدين، فأصبحوا - بمباركة من بعض القنوات الفضائية وشركات الاتصالات - بين غمضة عين وانتباهتها مشايخ الزمان، طفقوا يتسابقون ويتسمرون في هذه القنوات التي وجدت ضالتها في هؤلاء، لما رأت فيهم حب الذات والمال والشهرة وحب الظهور الإعلامي، فزادت من تلميعهم وبث الدعاية لهم، لتزيد من دخلها المادي. كنت متردداً في الكتابة عن موضوع تسابق وتنافس هؤلاء المتسلقين لجدار المشيخة، رغبة في التريث، لعل وعسى أن يعود هؤلاء عن سلوكياتهم الممجوجة، ويتقوا الله في عباده المساكين، ولكن بلغ السيل الزبى بهؤلاء، وأصبحت حيلهم هي العلامة الفارقة بينهم وبين العلماء والمشايخ المعتبرين، الذين تعب الإعلام بوسائله من مطاردتهم للظفر بهم، على رغم إغرائهم بالمال والجاه، ماذا يقول القارئ الكريم عن داعية تسمر في قناة متحررة أبرزت صورته الشخصية في صفحة كاملة لصحيفة مدفوعة الثمن له، من باب الدعاية، وماذا عن دعاة تسموا بمفسري الأحلام، مصوا أموال الجهلة والمساكين بتفسيرات باطلة، والله إني أعرف أحدهم زميلاً لي لا يتجاوز مؤهله ثانوي مهني، لا صلة له بالعلم الشرعي البتة! ولج هذا الباب لما رآه مفتوحاً أمامه. وماذا عساه أن يقول عن متشيخ يبتز قنوات لنشر تراجعه عن فتوى شاذة سبق له أن أطلقها، ويطلب مبلغاً طائلاً من المال، يزعم أنه سيجيره لحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وماذا عن متشيخ آخر عُرِف بفتاواه الشاذة، هدد بإطلاق فتوى من العيار الثقيل بعد رمضان - بحسب ما ذكرته إحدى الصحف المحلية! انظروا يا رعاكم الله، كيف يُستغل الدين، الاستغلال المادي البشع، إحدى رسائل الجوال المتبادلة - بحسب ما ذكره الكاتب سعيد السريحي بصحيفة «عكاظ» - تجرأت بوقاحة على قدسية سلاح المؤمن «الدعاء»، مستغلة قدوم شهر رمضان المبارك، تقول الرسالة: «تفرغ للصيام وخلي الدعاء علينا، للحصول على دعوات خاصة حَوِّل على حسابي رقم «00000»: 1000 ريال دعاء لك قبل آذان المغرب. 1500 ريال دعاء لك قبل آذان المغرب مع البكاء. 2000 ريال دعاء لك آخر الليل. 2500 ريال دعاء لك آخر الليل مع البكاء، ولا يفوتك العرض الخاص فقط «4000» ريال: الباقة كاملة طيلة شهر رمضان، هذا غيض من فيض، فرسائل الجوال كثيرة ومتنوعة في هذا الشأن الاستغلالي المستخف بالعقول، انظروا إلى المتاجرة بالدين كيف تكون؟! ومن يضطلع بها، إنهم بعض المشايخ، بمشاركة بعض القنوات الفضائية وشركات الاتصالات، وهم يشتركون باستغلال الدين، لاستنزاف جيوب الدهماء من البشر، في ظل غياب الرقيب! فالله المستعان على هذه القنوات ومشايخ هذا الزمان ما أجرأهم على الدين، حقاً «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»! محمد أحمد الجوير- الرياض [email protected]