أحمد عبدالرحمن العرفج - المدينة السعودية أدركتُ قبل أن تَخشوشن أظَافري؛ أنَّ تَعطيل كَافَّة مَرافق الحياة بحجّة «الصَّلاة»، لا يَتَّسق مَع «المَفهوم الدِّيني الشَّامل»، الذي يَضع «المَصالح العَامَّة» في سلّم أولويّاته «المَرنة»! وبما أنَّني أعتبر نَفسي سَائق خَط «بامتياز»، بسبب كَثرة الأسفَار بين المُدن، ل«زيارة والدتي» –ألبسها الله ثَوب العَافية وأعانني على برّها- و«طَلَب العِلْم»، و«مُلاحقة لُقمة العيش»، فقد كَبُرَ معي تَساؤل مُرّ، حول جَدوى إغلاق «مَحطّة مَحروقات» أثناء الصَّلاة؛ في قرية صَغيرة تَقع على طَريق المُسافرين، رغم أنَّ عَدد سُكَّان تلك القَرية قد لا يَتجاوز 15 شَخصاً، بما فيهم عُمَّال المَحطَّة، وقد يَكون هَؤلاء العُمَّال غير مسلمين..! لكن البَاحث الشُّجاع «عبدالله العلويط» -حسب ما نُشر –هنا- في صَحيفتنا «المدينة» في 4/4/1431ه- كَفاني ذل السُّؤال، حين اعتبر أنَّ إغلاق المَحلَّات التُّجاريّة وَقت الصَّلاة «بِدْعَة»، وفق المَعنى السَّائِد للبِدْعَة، وهو فعل شيء لم يُفعل في صَدر الإسلام، وأنَّ هذا الإغلاق «لا أساس له مِن عَقل أو دين»، ولا يَعدو أكثر مِن «إلزام للنَّاس بقَول فِقهي، وحَملهم عليه قَسرا»..! وذهب «العلويط» إلى أبعد مِن ذلك، حين اعتبر «الإغلاق» يُخالف الشَّرع، حيثُ يُضيّق وَقت الصَّلاة، إذ يُجبر النَّاس عَلى الصَّلاة في أوّل الوَقت، مع أنَّ أوقات الصَّلاة موسَّعة..! وعدَّد «العلويط» الأضرار المُترتِّبة عَلى إغلاق المَحلَّات وَقت الصَّلاة، بما يُخالف ما تَنشده الشَّريعة مِن رَفع الضَّرر، ومَن أراد الاستزادة فعليه زيارة الرَّابط التَّالي: http://www.al-madina.com/node/233207 لكن مَا لَفت نَظري رَدّ الشّيخ «سعود الفنيسان» -عميد كليّة الشَّريعة بجَامعة الإمام محمد بن سعود- على البَاحث «العلويط»، حين اعتبر أنَّ رأيه هو «البِدْعَة»، حيثُ استشهد الشّيخ «الفنيسان» بالآية الكريمة القائلة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).. وأصرّ «الفنيسان» على أنَّ هذا أمر يُطبَّق عَلى صَلاة الجُمعة، وغيرها مِن الصَّلوات المَفروضة، مُعلِّلاً عَدم فَرض «الإغلاق» في صَدر الإسلام، بأنَّ «الصَّحابة والتَّابعين» كانت أكثر أعمالهم طَاعات، ولم يَشتغلوا بالتِّجارة -كما هو الآن-..! والقلم -هنا- يتوجّه بسؤال للشيخ «الفنيسان» مفاده: هل أحتاج لتَذكير الشيخ أنَّ القُرآن الكريم دَقيق، ومُحكم في أوامره ونَواهيه، وكَلماته وحروفه، ولا حَاجة لتَطويعه حَسب الأهوَاء..؟! وقَد وَصف صَديقنا البَاحث الدّؤوب «عبدالعزيز الخِضر»؛ قبل حوالي أربع سَنوات، في مقالٍ له بصَحيفة «الشَّرق الأوسط»، أنَّ «الإغلاق» وقت الصَّلاة مِن الخصوصيّات والتَّقاليد؛ التي استطاعت أن تَصمد وتَزداد تَعقيداً في مُمارستها، مع كُلّ المُتغيّرات الكُبرى؛ التي غيّرت وَجه المُدن السّعوديّة خلال عدّة عقود، لتُنافس عَواصم عَالميّة في نموّها وامتدادها العُمراني، وحيويّة أسوَاقها التّجاريّة.. مُعتبراً أنَّ صمود الكثير مِن الأشياء، يَتحوّل مَع الزَّمن إلى حزمة مِن العُقد، التي يَتداخل فيها الدِّيني والاجتماعي، والسّياسي والاقتصادي، والمَزاج الصِّراعي بين تيّارات مُختلفة، مما يُسهم في إزاحة التَّفكير المُعتدل حولها..! حسناً.. ماذا بقي..؟! بقي القول: إنَّ مَن يَملك إرادة وإدارة التَّغيير، هو القَادر عَلى بثّه في مَفاصل المُجتمع، بمُبادرة جَريئة لا تَلتفت للنّفوس الرَّديئة، ولا للمَقَاصد البَريئة..!.